الحمد لله.
أولاً :
نأسف لحال الدول التي تنتسب للإسلام ثم هي تحارب الإسلام ، وتضيق على المسلمين في شعائرهم وطاعاتهم لربهم تعالى ، وفي الوقت الذي تفتح هذه الدول الأبواب على مصارعها للفساد والانحلال والتحلل من الأخلاق الفاضلة نجدها تضيق الخناق على من يرغب بالتعدد في الزواج الذي أباحه الله تعالى ، فبعض هذه الدول تمنعه بالكلية ، وبعضها الآخر تشترط رضا الزوجة الأولى ! – وأي زوجة لو عُرض عليها ستقبل ؟! – وبعضها تشترط دخلاً معيَّناً يعجز عنه كثيرون وهم قادرون على التعدد .
وعلى هذه الدول أن تتقي الله ربها في مخالفة شرع الله ، ولا يجوز لأحدٍ من العلماء والقضاة أن يقبل بهذه التشريعات ، وما يوجد من ظلم لدى بعض المعددين فإنه يوجد أضعافه في أصحاب الزوجة الواحدة فهل هذا سيؤدي بهم إلى إلغاء الزواج من الأولى أيضاً ؟! .
ومن العجب أن هذه القوانين تبيح المحرم ولا تراه جريمة ولا منكراً ، وتحرم الحلال وتراه جريمة منكرة ، فهذا الرجل الذي سألت عنه ، وقد كانت له علاقة محرمة بهذه المرأة قبل زواجه بها ، لو وصلت تلك العلاقة إلى القانون لأباحها القانون طالما حصل ذلك بالتراضي ، وكانت المرأة رشيدة !! أما أن يتخذها زوجة فهذا هو المحرم المنكر عندهم ، فيقولون : يجوز لك أن تتخذها عشيقة ، ولا يجوز أن تتخذها زوجة ! ألا ساء ما يحكمون !
فمثل هذه القوانين الباطلة التي تحارب شرع الله ، لا حرج على المسلم في التحايل عليها والتهرب منها .
فمن رغب في التعدد فأحضر ورقة مزورة من أجل إتمام عقده : فلا حرج عليه ؛ لأن القانون الذي منعه من التعدد قانون باطل ، ولا يُلزم المسلم بطاعته والانقياد له ، لكن ينبغي للزوج أن يدرس الآثار المترتبة على هذا الفعل ، لأنه قد يترتب على هذا مفاسد كثيرة أو أضرار .
ولا حرج أيضاً على أهل الزوجة الثانية الذين علموا بهذه الورقة المزورة وزوجوه ، ولا شك أن هذا خير لهم ولابنتهم ولزوجها من البقاء في علاقة محرمة .
ثانيا :
لا ينبغي للأب أن يجبر ابنه على الزواج بامرأة لا يريدها ، ولا ينبغي للابن أن يطيعه في هذه الحال ، لأنه بهذه الطريقة لن تكون هناك المودة والرحمة والسكن بين الزوجين ، بل قد يقع الزوج في ظلم زوجته لكراهته لها ، ومثل هذه الزيجات تتعرض كثيراً للفشل ، ولا يجني الزوجين من ورائها إلا المتاعب والمشاكل وتشتت الأولاد .
ومع هذا ، فلا ذنب للمرأة ، بأن يسيء معاملتها من أجل أنه تزوجها وهو كاره ، وإذا كان يريد إرضاء أبيه فإن عليه أن يحسن إلى زوجته ويعطيها حقوقها ، ويرضى بها زوجة لها حقوقها الكاملة من المعاشرة بالمعروف ، فإن لم يحصل هذا ولم يستطع إمساكها بمعروف فليسرحها بإحسان ، بتطليقها وإعطائها حقها كاملاً من غير نقصان .
وإذا كانت المرأة ترغب ببقائها على ذمته ، ينفق عليها ، ويرعى ولدها دون معاشرة : فإنه يجوز لها أن تقبل بذلك ، وهكذا لو عرض هو الأمر عليها ووافقت .
عَنْ عَائِشَةَ في قوله تعالى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ) الْآيَةَ قَالَتْ : أُنْزِلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَطُولُ صُحْبَتُهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا فَتَقُولُ : لَا تُطَلِّقْنِي ، وَأَمْسِكْنِي ، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنِّي ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ . رواه البخاري ( 2318 ) ومسلم ( 3021 ) .
وفي رواية عند البخاري ( 2584 ) : قَالَتْ عائشة : هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا فَتَقُولُ أَمْسِكْنِي ، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ ، قَالَتْ : فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الرجل إذا قضى وطراً من امرأته وكرهتها نفسه ، أو عجز عن حقوقها : فله أن يطلقها ، وله أن يخيِّرها ، إن شاءت أقامت عنده ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة أو في بعض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه ، فإن رضيت بذلك : لزم ، وليس لها المطالبة به بعد الرضى .
هذا موجب السنَّة ومقتضاها ، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره ، وقول من قال : إن حقها يتجدد فلها الرجوع في ذلك متى شاءت : فاسد ؛ فإن هذا خرج مخرج المعاوضة ، وقد سماه الله تعالى صلحاً ، فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق والأموال ، ولو مكنت من طلب حقها بعد ذلك : لكان فيه تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه ولم يكن صلحا ، بل كان من أقرب أسباب المعاداة ، والشريعة منزهة عن ذلك ، ومن علامات المنافق أنه إذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، والقضاء النبوي يرد هذا .
" زاد المعاد " ( 5 / 152 ، 153 ) .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام مثل هذا في " مجموع فتاوى ابن تيمية " ( 32 / 270 ) .
ثالثاً :
وقد ذكرتم في سؤالكم أنه كان على علاقة غير شرعية معها ، فإن كان معنى ذلك : الزنا ، فاعلموا أنه لا يصح زواج الزاني ولا الزانية حتى يتوبا ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11195) و (14381) .
والله أعلم
تعليق