السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

الإفطار من أجل العروض العسكرية والمسيرات ، وبسبب خوف الهلاك

السؤال

خرجنا في رمضان في مسيرة عسكرية في فلسطين ، أو عرض عسكري ، ما يقارب أربع ساعات سيراً على الأقدام ، بالنهاية عدنا ونحن على وشك الهلاك ، هناك من أفطر لأنه لم يحتمل التعب وبدا الهلاك عليه واضحاً ، هل ما فعله من أفطروا من الشباب خطأ ؟ وما هو الحل إذا كان خطأ ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
نسأل الله تعالى أن يرينا في اليهود الغاصبين لأرض المسلمين يوم ذل ، وأن يعز دينه ، ويَرجع الحق لأهله ، كما نسأله تعالى أن يتقبل من مات مدافعاً عن دينه وعرضه وأرضه من المسلمين شهيداً ، ونسأله تعالى أن يوفق المجاهدين والعاملين لخدمة الإسلام ونصرة المستضعفين .
ثانياً :
الإفطار في نهار رمضان لأصحاب الأعذار الشرعية لا شك في جوازه ، بل قد يكون واجباً في بعض الأحيان ، ومن ذلك : الإفطار عند ملاقاة العدو ، أو قبله استعداداً للقائه ومحاربته ، وقد ثبت في السنَّة الصحيحة ما يدل على وجوب ذلك .
فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ - يعني : في فتح مكة - وَنَحْنُ صِيَامٌ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ، فَكَانَتْ رُخْصَةً ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلا آخَرَ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ، فَأَفْطِرُوا ، وَكَانَتْ عَزْمَةً ، فَأَفْطَرْنَا رواه مسلم ( 1120 ) .
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم ( 12641 ) .
فإذا كان ما فعلتموه هو من التدريب المتحتم للقاء العدو اليهودي : فإنه يجوز لمن أراد لقاء العدو أن يستعين بالفطر ويتقوى به للمنازلة والمحاربة ، وأما إن كان ما فعلتموه هو من التدريب الذي يمكن تأجيله ، أو من العرض الذي لا يكون بعده لقاء للعدو : فلا يظهر أنه يجوز لكم الفطر ، وينبغي التفريق بين الحالين ، ولا يجوز الخلط بينهما ؛ فالحال الأولى التي يجوز فيها الإفطار أو يجب : هي الحال التي يكون فيها يقين أو غلبة ظن لقاء العدو ، وأما الحال الثانية والتي لا يجوز فيها الفطر : فهي العروض العسكرية ، أو التدريبات التي لا يكون فيها استعداد لمواجهة قريبة مع العدو ، أو يمكن تأجيلها إلى ما بعد المغرب حتى يستطيع الجندي الجمع بينها وبين الصيام .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
ومثلُ ذلك مَن احتاجَ إلى الْفِطرِ للتَّقَوِّي به على الْجهادِ في سبيل الله في قِتَاله الْعَدُوَّ : فإنه يُفْطر ، ويقضي ما أفطَر ، سواء كان ذلك في السفر ، أو في بلده ، إذا حضره العَدُوُّ ؛ لأنَّ في ذلك دفاعاً عن المسلمينَ ، وإعلاءً لكلمة الله عزَّ وجَلَّ ، وفي صحيح مسلمٍ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال : سافَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى مكةَ ونحنْ صيامٌ ... – وساق الحديث - ففي هذا الحديث إيماءٌ إلى أن القوةَ على القتال سببٌ مُستقِلٌ غيرُ السفرِ ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم جعل عِلَّةَ الأمْرِ بالفِطر القُوَّةَ على قتالِ العدُوِّ دونَ السفرِ ، ولذلِك لم يأمرهم بالفِطر في المنزَلِ الأوَّل .
" مجالس شهر رمضان " ( المجلس الثامن ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 57 ) :
وألحقوا بإرهاق الجوع والعطش : خوف الضّعف عن لقاء العدوّ المتوقّع ، أو المتيقّن ، كأن كان محيطاً ، فالغازي إذا كان يعلم يقيناً أو بغلبة الظّنّ القتال بسبب وجوده بمقابلة العدوّ ، ويخاف الضّعف عن القتال بالصّوم ، وليس مسافراً : له الفطر قبل الحرب ....
وقال البهوتيّ : ومن قاتل عدوّاً ، أو أحاط العدوّ ببلده ، والصّوم يضعفه عن القتال : ساغ له الفطر بدون سفر ، لدعاء الحاجة إليه . انتهى.
ثالثاً :
وإذا غلب على ظن الذين أفطروا معكم أنهم يستطيعون الصيام ، ولذا فقد شاركوا في المسيرة والعرض ، ثم شقَّ عليهم الصيام حتى خافوا على أنفسهم الهلاك : جاز لهم الفطر ، بل وجب عليهم ، على أن يكون الفطر بقدر ما يرفع خشية الهلاك ، ويلزمهم الإمساك بعدها إلى المغرب ، وعليهم قضاء ذلك اليوم ، وعدم العود لذلك الفعل إن لم يكن لهم فيه رخصة .
قال علماء اللجنة الدائمة :
إذا احتاج الصائم إلى الفطر في أثناء اليوم ، ولو لم يفطر خاف على نفسه الهلاك : يفطر في وقت الضرورة ، وبعد تناوله لما يسد رمقه يمسك إلى الليل ، ويقضي هذا اليوم الذي أفطره بعد انتهاء رمضان لعموم قوله تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، وقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ) .
" مجلة البحوث الإسلامية " ( 24 / 67 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
ما حكم من أفسد صومه الواجب بسبب العطش ؟ .
فأجاب :
حُكمه أنه يحرم على من كان في صوم واجب ، سواء من رمضان أو قضائه ، أو كفارة ، أو فدية ، يحرم عليه أن يفسد هذا الصوم ، لكن إن بلغ به العطش إلى حد يخشى عليه من الضرر ، أو من التلف : فإنه يجوز له الفطر ، ولا حرج عليه ، حتى ولو كان ذلك في رمضان ، إذا وصل إلى حد يخشى على نفسه الضرر ، أو الهلاك : فإنه يجوز له أن يفطر .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 149 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 56 ) :
"من أرهقه جوع مفرط ، أو عطش شديد ، فإنّه يفطر ويقضي .
وقيّده الحنفيّة بأمرين :
الأوّل : أن يخاف على نفسه الهلاك ، بغلبة الظّنّ ، لا بمجرّد الوهم ، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواسّ ، كالحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما الهلاك ، أو على أولادهما .
قال المالكيّة : فإن خاف على نفسه حرُم عليه الصّيام ؛ وذلك لأنّ حفظ النّفس والمنافع واجب.
الثّاني : أن لا يكون ذلك بإتعاب نفسه" انتهى .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب