الحمد لله.
السكن حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها اتفاقا؛ لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها فقال سبحانه: ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى؛ ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بين الأزواج بالمعروف فقال : ( وعاشروهن بالمعروف ) ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها , كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن ; للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع ، فلذلك كانت السكنى حقا لها على زوجها .
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن للزوجة الحق في سكن مستقل عن أقارب الزوج ، وأن لها الامتناع من السكن مع أبيه وأمه أو أحدهما .
وذهب المالكية إلى التفريق بين الزوجة الشريفة والوضيعة , وقالوا بعدم جواز الجمع بين الزوجة الشريفة والوالدين , وبجواز ذلك مع الزوجة الوضيعة , إلا إذا كان في الجمع بين الوضيعة والوالدين ضرر عليها . ينظر : الموسوعة الفقهية (25/109) ، الشرح الصغير على مختصر خليل (2/737).
لكن المقصود بالسكن عند الفقهاء ، يتحقق بغرفة لها باب وقفل ، مع كنيف (بيت الخلاء) ومطبخ ، إلا أن يكونوا من الفقراء الذي يرضون بالاشتراك في المطبخ وبيت الخلاء .
قال ابن عابدين في حاشيته (3/600) : (( قوله وبيت منفرد ) أي ما يبات فيه ; وهو محل منفرد معين ... والظاهر أن المراد بالمنفرد ما كان مختصا بها ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار ( قوله له غَلَق ) بالتحريك : ما يغلق ويفتح بالمفتاح ... ( قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ ) أي بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت أو في الدار ، لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار . قلت : وينبغي أن يكون هذا في غير الفقراء الذين يسكنون في الربوع والأحواش ؛ بحيث يكون لكل واحد بيت يخصه وبعض المرافق مشتركة كالخلاء والتنور وبئر الماء).
وانظر السؤال رقم (7653)
ثانيا :
إذا قبلت الزوجة السكن مع أهلك ، فلا حرج في ذلك ، لأنه تنازل منها عن حقها ، وليس لوالديها الاعتراض على ذلك ، ما دامت بالغة رشيدة .
ولها أن ترجع عن هذه الموافقة ، لأن حقها في السكن المستقل لا يسقط بتنازلها .
ثالثا :
إسكان الزوجة مع أهل الزوج ينبغي أن يقيد بالسلامة من المحظور ، كالخلوة والاطلاع عليها من قبل أحماء الزوج ، كإخوانه وأعمامه ونحوهم .
ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تخلو أو تصافح أو تكشف شيئا من عورتها لإخوان زوجها ، لأنهم أجانب عنها كسائر الأجانب ، بل الاحتياط منهم أولى ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله فرأيت الحمو ؟ قال: ( الحمو الموت ) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد : الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه. رواه مسلم .
وينبغي ـ أيضا ـ أن يقيد بحال كل من الزوجة وأهل الزوج ، وما إذا كان كل من الطرفين يحتمل المشاركة في السكن ، والخلطة في المعيشة ، فقد دل واقع الناس اليوم على أن الحياة الزوجية تتأثر كثيرا بمثل هذه الظروف في السكن ، وأن كثيرا من المشاكل بين الطرفين يكون سببه هذه الخلطة ، حتى لقد أصبحت استقامة الحياة الزوجية وهدوؤها ، مع الاشتراك في السكن مع أهل الزوج أمرا عزيزا نادر الحدوث ؛ ولعله ـ لما يرى الناس جميعا من ذلك ـ اعترض أهل زوجتك على انتقالك للسكن مع أهلك ، حفاظا على استقامة حياتكما الزوجية ، وليس تعنتا أو تحكما فيما يخصك ويخص زوجك .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح ، وأن يصلحك ويصلح لك أهلك وزوجك .
والله أعلم .
تعليق