الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

نشيد الفتيات البالغات

99630

تاريخ النشر : 17-06-2007

المشاهدات : 26427

السؤال

هل يجوز تنشيد الفتيات من سن 14 فما فوق أناشيد للأطفال ؟

الجواب

الحمد لله.


لا حرج على الفتاة البالغة وغيرها الغناء أو النشيد للأطفال الصغار ، لأن الأصل في العادات الإباحة ، ولم يرد نهي عن ذلك ، ولوجود المصلحة والمنفعة حين يكون لأناشيد الأطفال الأثر البالغ في الرعاية والعناية والتربية ، حيث تمنحه دفء المحبة والحنان الذي يحتاجه الطفل في صغره ، كما يكون لكلماتها الطيبة اللطيفة أثر في شخصيته ونفسيته ، إذ يمكن أن تزرع في نفسه قوة الشجاعة والثقة بالنفس والتشجيع ، وتدفع في قلبه الأمل والإقبال على النجاح والعمل ، وتنمي فيه خصال الصلاح والخير . وذلك كله إذا أحسنت المرأة اختيار الكلمات التي تغنيها للأطفال .
ولا مفسدة في هذا الغناء – من حيث الأصل - ، وإذا كان للمرأة أن تبدي ما يظهر من زينتها للطفل الذي لا يدرك معنى " عورات النساء " ، فمن باب أولى أن يجوز لها بذل صوتها بالغناء والنشيد للأطفال .
وفي نصوص الفقهاء شيء قريب من هذا التقرير :
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/538) في معرض تعداد أنواع من الغناء المباح : " ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد " انتهى .
ويقول الأذرعي – من فقهاء الشافعية - : " وأما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل ، كحداء الأعراب لإبلهم ، وغناء النساء لتسكين صغارهم ، فلا شك في جوازه ، بل ربما يندب إذا نشَّط على سير أو رغَّب في خير ، كالحداء في الحج والغزو ، وعلى نحو هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة ." انتهى . نقلا عن "تحفة المحتاج" (10/219)
ولكن لا بد من الانتباه إلى بعض الضوابط والشروط التي تقيد ما سبق تقريره :
1- يجب أن تخلو هذه الأناشيد من أدوات العزف ، فالمعازف من المحرمات ، ولا يجوز استباحة سماعها وتربية الأطفال على نغماتها وألحانها .
وانظر في تحريم الموسيقى أجوبة الأرقام (5000) ، (5011) ، (43736) ، (96219)
2- ولا يجوز أن تغني الفتاة البالغة أو تنشد للأطفال بحضرة الرجال الأجانب ؛ فضلا عن تسجيل ذلك وحفظه بالوسائل المعروفة حديثا ، ونشره بين الناس ، لأنه إن جاز للطفل استماع غناء المرأة ، فلا يجوز للرجل الأجنبي استماعه ، ولا يجوز للمرأة أن تتساهل في ذلك ، فقد حذر الله سبحانه وتعالى أطهر النساء وأعف الزوجات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عن الخضوع في القول فقال : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ) الأحزاب/32 ، وإذا تذكرنا أن هذا النهي عن الخضوع في القول كان في زمن خير البشر بعد الرسل والأنبياء وهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فكيف هو الحكم في زماننا الذي كثر فيه الفساد والانحراف . يقول القرطبي في تفسير هذه الآية "الجامع لأحكام القرآن" (14/177) :
" أي : لا تلن القول . أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا ، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين ، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه ، مثل كلام المريبات والمومسات . فنهاهن عن مثل هذا . قوله تعالى : ( وقلن قولا معروفا ) قال ابن عباس : أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . والمرأة تندب إذا خاطبت الاجانب وكذا المحرمات عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول ، من غير رفع صوت ، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام .
وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس ." انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (11563)
وبهذا يتبين خطأ ما ينتشر اليوم في بعض الفضائيات من غناء ونشيد تقوم به بعض الفتيات البالغات بزعم أنه موجه للأطفال ، فإن عرض مثل ذلك على الملأ دعوة لاستماعه والفتنة بجمال الصوت واللحن ، وفي ذلك خروج عن الضوابط التي سبق ذكرها ، فلا يجوز لمن يعمل في هذه الجهات أن ينشر أو يبيع أو يصدر تسجيلا لفتاة بالغة تنشد وتغني – ولو كانت كلمات نشيدها صالحة طيبة - ، إذ في ذلك مخالفة لما أمر الله تعالى به النساء من عدم الخضوع في القول ، وأي خضوع أعظم من خضوع النشيد والغناء ، وما فيه من التليين والتمطيط والترقيق كاف في التأثير في قلب كل مستمع ، وغالبا ما يؤدي مثل هذا التساهل إلى تساهل أخطر ، فينتقل الأمر إلى النشيد والغناء للرجال البالغين وبحضورهم !!
على أننا نشير هنا أيضا إلى أن ما ذكرناه من التخفيف في التستر على الأطفال ، إنما هو في حق الطفل الصغير الذي لا يميز مفاتن المرأة ، ولا ينتبه إلى ذلك منها ، كما قال الله تعالى في وصفهم : ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )(النور: 31) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله ـ في تفسيره (566) ـ :
" أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء " انتهى .
وقال ابن العربي رحمه الله ـ في أحكام القرآن (3/1375) :
" وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ سَتْرِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَالْآخَرُ : يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي ، وَقَدْ تَشْتَهِي هِيَ أَيْضًا ؛ فَإِنْ رَاهَقَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ وَلُزُومِ الْحِجْبة " انتهى .
ولن يعدم من يقوم بمثل ذلك من حجج موهومة وأعذار واهنة ، فيقول بعضهم : ألم تغن الجواري في منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد ؟ وقد أقرهما النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أبا بكر بالسماح لهما في الغناء ؟
فالجواب أن يقال : إن الحق أحق أن يتبع ، وليس في شريعتنا إلا التحذير من إظهار الفتيات البالغات مفاتنهن على الملأ ، ومن ذلك الصوت الجميل المرقق ، أما هذا الحديث الذي ذكرتم ، فهو حديث صحيح يرويه البخاري (987) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :
( دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ ، قَالَتْ : وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا )
إلا أن العلماء يقولون في تفسيره إنهن جاريتان صغيرتان لم تبلغا سن البلوغ ، فهما غير مكلفتين .
يقول القرطبي في "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" (8/10) :
" الجارية في النساء كالغلام في الرجال ، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما " انتهى .
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1/257) :
" فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان ، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين ، تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب ، وكان اليوم يوم عيد .
فتوسع حزب الشيطان في ذلك : إلى صوت امرأة جميلة أجنبية ، أو صبي أمرد صوته فتنة ، وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور ، مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، مع التصفيق والرقص ، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان ، فضلا عن أهل العلم والإيمان ، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه ، في الشجاعة ونحوها ، في يوم عيد ، بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ، ويدَعون المحكم الصريح لهذا المتشابه ، وهذا شأن كل مبطل . نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه ، وإنما نحرم ـ نحن وسائر أهل العلم والإيمان ـ السماع المخالف لذلك " انتهى .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/202) :
" صوت المرأة نفسه ليس بعورة ، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث ، وخضوع في القول ، فيحرم منها ذلك لغير زوجها ، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه ؛ لقوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32 " انتهى .
ويمكن الاستغناء عن نشيد الفتيات البالغات – إذا بقيت الحاجة لنشر النشيد على القنوات الفضائية - بنشيد الأطفال أنفسهم ، ينشد بعضهم لبعض ، فيؤخذ من أصواتهم الجميلة ما يقوم مقام نشيد النساء ، فيتحقق المقصود وينتفي المحذور إن شاء الله تعالى .
والخلاصة أنه لا حرج على الفتاة البالغة من الغناء والنشيد للأطفال بثلاثة شروط :
1- أن تكون كلمات الغناء والنشيد كلمات مباحة أو كلمات خير وصلاح .
2- ألا يصحب ذلك شيء من أدوات العزف إلا الدفوف .
3- ألا يكون ذلك بحضرة الرجال الأجانب ، ولا ينشر شيء من ذلك نشرا عاما ، من خلال الفضائيات ونحوها .
ولمعرفة حد البلوغ ينظر جواب السؤال رقم (21246) ، (70425)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب