عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر رواه البخاري (2024)، ومسلم (1174)
الحديث دليل على أن للعشر الأواخر من رمضان مزية على غيرها بمزيد الطاعة والعبادة من صلاة وذكر وتلاوة قرآن، فقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها نبينا وقدوتنا محمداً صلى الله عليه وسلم بأربع صفات:
الأولى: قولها (أحيا الليل) أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه؛ لأن النوم أخو الموت والمعنى أحياه كله بالقيام والتعبد لله رب العالمين وليال العشر معدودة، وأما ما ورد من النهي عن قيام الليل كله الوارد في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه فهو محمول على من داوم عليه جميع ليالي السنة.
الثانية: قولها (وأيقظ أهله) أي زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين ليشاركنه في اغتنام الخير والذكر والعبادة في هذه الأوقات المباركة.
الثالثة: قولها (وجدَّ) أي جدَّ واجتهد في العبادة، وقيل: (اعتزل النساء وهذا أظهر لعطفه على ما قبله، ولحديث أنس رضي الله عنه (وطوى فراشه واعتزل النساء) وقد كان ﷺ يعتكف العشر الأواخر، والمعتكف ممنوع من النساء.
فلتحرص - أيها المسلم – على الاتصاف بهذه الصفات، ولتحافظ على صلاة التهجد مع الإمام إضافة إلى صلاة التراويح ليزيد الاجتهاد في هذه العشر على عشريه الأولين، وليحصل إحياء الليل بالصلاة.
وعليك أن تتحلى بالصبر على طاعة الله تعالى فإن صلاة التهجد شاقة لكن فضلها عظيم، فهي والله فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله تعالى، وما يدري الإنسان لعله يدركه فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة.
وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيهم ﷺ يقول السائب بن يزيد: "أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي ابن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر"، وعن عبدالله بن أبي بكر قال: "سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر"، والمؤمن يجتمع له في رمضان جهادان لنفسه، جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بنيهما ووفى بحقوقهما فهو من الصابرين الذين يوفون أجرهم بغير حساب.
إن هذا العشر هو ختام الشهر، والأعمال بخواتيمها، ولعل الإنسان يدرك فيها ليلة القدر وهو قائم لرب العالمين فيغفر له ما تقدم من ذنبه. وعلى الإنسان أن يحث أهله وينشطهم ويرغبهم في العبادة، لاسيما في هذه المواسم العظيمة التي لا يفرط فيها إلا محروم، وأعظم من ذلك أن يقضي الإنسان وقت صلاة الناس وتهجدهم في المجالس المحرمة والاجتماعات الآثمة فهذا هو الخسران المبين، نسأل الله السلامة.
فالمبادرة المبادرة إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر، ومما يؤسف عليه أن ترى بعض الناس يقبل على الأعمال الصالحة في أول الشهر من الصلاة والقراءة ثم تظهر عليه أمارات الملل والسأم، ولاسيما عند دخول العشر الأواخر التي لها مزية على أول الشهر، فعلى الإنسان أن يواصل الجد والاجتهاد ويزيد في الطاعة إذا أخذ شهره في النقص، فالأعمال بخواتيمها، وما أحرى القبول إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
المرجع
أحاديث الصيام للفوزان.
أحاديث أخرى:
(أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه)
(الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل)
(إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به...)
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)
(من فطر صائما كان له مثل أجره)
(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)
(ثلاثة لا ترد دعوتهم – ومنهم – الصائم حين يفطر)
تعليق