الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 - 29 ديسمبر 2024
العربية

تعاني من توتر في العلاقة بينها وبين زوجها وتريد النصيحة

تاريخ النشر : 04-09-2016

المشاهدات : 20433

السؤال


أنا متزوجة منذ 5 سنوات ، وخلال هذه الفترة لم أكن الزوجة الجيدة كما ينبغي ، ولكنني ضحيت بالكثير من أجل هذا الزواج ، حيث كنت أعمل وأدعم زوجي ، ولكنني لم أكن ربة منزل بالشكل المطلوب ، ولكن علاقتنا تمر بمرحلة عصيبة ، وأريد نصيحتكم ، فزوجي ينتقدني على الدوام ، ولكن الآن زادت الأمور سوءًا بعد أن وضعت مولودتي الجديدة ، وأنا أشعر بالسوء لأننا نتجادل أمامها ، حيث أشعر أن ذلك يؤثر سلبًا عليها ، وزوجي لا يستشيرني فهو دائما يسأل أخيه الطبيب عندما يريد النصيحة ، ويترك نصيحتي كخيار ثان ، ويكره عندما أطلب النصيحة من أمي بسبب سوء العلاقة بينهما ، فما نصيحتكم ؟ ولو أساءت أمي لزوجي في منزله فكيف ينبغي أن يرد على ذلك باعتبار أنها أهانته من قبل ؟ وما حكم الشرع بغريزة الأم ؟ وهل هناك في الإسلام شيء اسمه غريزة الأب ؟ وما العمل إن كان زوجي يرى دائماً العيوب في شخصيتي ؟

الجواب

الحمد لله.


مما لاشك فيه أن الإكثار من الانتقاد والمجادلة أمام الأولاد من الأمور السلبية المفسدة للألفة والوداد ، ونصحيتنا لك ولزوجكِ أن تقللا من ذلك ، قدر إمكانكما ، وأن تتحاملا على أنفسكما ، كل واحد منكما يحمل نفسه على الصبر على صاحبه ، ويؤجل أمر الجدل ، والنقاش إلى حيث تكونان خاليين بأنفسكما .
ثم نصيحتنا للزوج ألا يطمع في أن تخلو النفس من عيب ، أو نقص ؛ فذلك طبع بني آدم ؛ فكيف بالمرأة التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أصل خلقتها ، وأنه لا مطمع في تغيير طباعها بالكلية .
فعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، فَإِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا ، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا ).
رواه أحمد (20093) ، وابن حبان (4178) ، وصححه الألباني
• ثم ، نصيحتنا لكِ ألا تقابلي الانتقاد بمزيد من المجادلة والعناد ، لأن هذا يفضي إلى مزيد من الشد والجذب ، لحبل التواصل بينكما ، والذي يوشك أن ينقطع بسبب ذلك ، فإرخاء الحبل والمسايسة ، أمر مطلوب من الطرفين ، مطلوب من الزوج ، في صورة المداراة والتغافل والتراحم ، ومطلوب من الزوجة الحكيمة العاقلة الديِّنة : أن تحتمل نفرة زوجها ، ولا تشد الحبل معه ، إذا شد ؛ بل ترخيه ، ما وسعها ذلك الإرخاء ، وتهرب من مواطن غضبه ، ولا تصادمه ؛ بل تلاينه قدر طاقتها ، وتلين له .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى ) .
رواه النسائي في "السنن الكبرى" (9094) وصححه الألباني في "الصحيحة" (287).
( الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا) أي التي تعود على زوجها بالنفع .
ذلك بأنه من المقرر في العلوم النفسية ، وما أخبرت به التجارب : أن المعاندة والمجادلة مع الزوج الذي لا يصبر على طول المناقشات وكثرة الجدالات : لا يترتب عليها إلا المفاسد ، وزيادة النفرة بين الزوجين .
فننصحك أختنا الفاضلة بالإقلال من مناقشته ومراجعته في تطلعاته ، والإكثار من إظهار الإعجاب بفكره ورأيه على سبيل الإجمال ، حتى وإن اختلفتما في شيء من التفاصيل ، فبهذا السلوك تقل الشحناء ، وتذهب البغضاء وتزداد قابلية زوجك لمناقشتك وسماع وجهة نظرك .

وحبذا لو جلستما مع أخصائي نفسي في الاستشارات الزوجية Couples counselling ، لما في ذلك من كشف لمواطن الخلل الدقيقة ، ومعالجتها بشكل عملي فعال .

• ثم اعلمي أن استشارة الزوج لزوجه ليست من الواجبات المتعينة على الزوج ، بل له أن يستشير من يثق برأيه وخبرته من أهله أو أصدقائه أو الخبراء من غير معارفه .
وغاية ما في استشارة الرجل لأهل بيته أنها من جملة المستحبات والفضائل ، وحسن العشرة ، ومكارم الأخلاق ؛ ثم إن الناس يتفاوتون في طباعهم ، وأخلاقهم ، وأنماط تفكيرهم وسلوكهم ؛ فكوني حكيمة يا أمة الله ، ولا تغرري ببيتك ، وحياتك مع زوجك ، واغتفري له شيئا من جفوته ، وشيئا من استبداده برأيه ، ما دام الأمر لم يدخل في مأثم ، ولم يترتب عليه ضرر ظاهر بك وبأسرتك ؛ فاحتملي منه ما تكرهين ؛ فإن في الصبر على ما يكره العبد ، خيرا كثيرا ، كما أخبر به الصادق المصدوق ، صلى الله عليه وسلم .

• وفيما يتعلق بغريزة الأم ، فالغريزة في علم اللغة هي الفطرة أو الطبيعة ، وفي علم النفس هي السلوك الإنساني المعتمد على الفطرة أو الوراثة ، فكل إنسان له غرائز وطبائع تختلف باختلاف الجوانب الفطرية أو العوامل الوراثية .
وعليه ؛ فغريزة الأم ما هي إلا سلوكيات الأم المعتمدة على الفطرة أو الوراثة ، ومن أشهر صور هذه الغرائز الطبيعية : غريزة حماية الأم لولدها ، ودفع ما يؤذيه عنه .
لكن هذه الغريزة ربما تعكرت واختلت ببعض التصورات الاجتماعية المضطربة ، والتي ترى الأم بسببها المصالح مفاسد ، والمنافع أضرارا ، فتنقلب عليها الحقائق ، وتلتبس عليها الأمور .
وعليه فلا ينبغي أن يعتمد عليها إلا إذا تبين اتزانها ، وعدم اختلالها بالمعايير الدخيلة على الفطرة السوية ، والطبائع المرضية .
وهذا نفس ما يقال فيما يتعلق بغريزة الأب وما يترتب عليها .

• وأخيرا .
فينبغي على زوجكِ أن يترفق بأمكِ ، وأن يصاحبها بالمعروف ، حتى وإن اختلفت معه في الرأى ، ذلك بأنها في منزلة الوالدة ، والدفع بالتي هي أحسن في مقابل الإساءة له أثر ساحر على نفوس الناس ، قال تعالى : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت/34-35 .

وينبغي عليكِ ، مع ذلك : مراعاة كراهة زوجكِ لاستشارتكِ لأمكِ ، ذلك بأن إصراركِ على استشارتها ، والرجوع لآرائها ، رغم ما ذكرت من اضطراب العلاقة بينهما : يزيد من تعقيد الخلاف في المنزل ، فالرجل لا يحب أن يتدخل الموافق في قراره وقوامته ، فما ظنك بالمخالف له ؟!
فلا تفعلي ما يكره ، ولا تمتنعي عما يحب ، وأبشري ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ ) رواه ابن حبان (4163) ، وحسنه الألباني .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب