الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

أثر اختلاف طول الليل والنهار على المسلم في رمضان

تاريخ النشر : 03-12-2020

المشاهدات : 5330

أولا: وقت الإمساك والإفطار:

أما وقت الصيام:

فيجب على الصائم الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة/187].

ومعنى ذلك أن الله تعالى أباح للصائم الأكل والشرب ليلاً حتى يتبين له طلوع الفجر.

والمراد بالخيط الأبيض: النهار.

والخيط الأسود: الليل.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وَمَعْنَى الآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ، وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الأَبْيَضِ، وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ؛ لأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلآخَرِ".[1]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا، حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي، حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ " .[2]

وأما وقت الإفطار:

 فقد جعل الشرع له علامةً واضحةً جليةً، وهي: غروب الشمس خلف الأفق.

فإذا غربت الشمس فقد حل للصائم أن يفطر؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة/ 187]

وأول الليل يبدأ من غروب الشمس.[3] 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا [يعني من جهة المشرق]، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا [يعني من جهة المغرب]، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ: فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ).[4]

قال النووي- رحمه الله-: "يَنْقَضِي الصَّوْمُ وَيَتِمُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ".[5]

والمقصود بالغروب: سقوط كامل قرص الشمس واختفاؤه، ولا عبرة بالحمرة الباقية في الأفق، فحيث غاب كامل القرص، فقد حل الفطر.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إذا غاب قرص الشمس: حينئذ يفطر الصائم، ويزول وقت النهي، ولا أثر لما يبقى في الأفق من الحمرة الشديدة في شيء من الأحكام".[6]


ثانيًا: صيام وصلاة من كان مقيمًا في بلد يتعاقب فيه الليل والنهار.

أكثر البلاد يتعاقب فيها الليل والنهار، إلا أن هذه البلاد تتفاوت فيما بينها من حيث طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، فمن البلاد ما يطول فيها النهار جدًا ويقصر فيها الليل جدًا ، ومنها ما يقصر فيها النهار ويطول فيها الليل، والشريعة الإسلامية قد جاءت بالتيسير والرفق ومراعاة الظروف التي يمر بها المسلم في حياته.

وقد بيَّن أهل العلم أحكام صلاة وصيام من كان يعيش في هذه البلدان، وكان بيانهم كما يلي:

1- من كان مقيمًا في بلد يتعاقب فيه الليل والنهار، في أربع وعشرين ساعة، وجب عليه أن يصوم ويصلي وفقًا لتوقيت بلده الذي يقيم فيه سواء طال النهار أم قصر، وسواء طال الليل أم قصر، ولا يجوز له أن يصوم أو يصلي وفق توقيت بلد آخر.

لعموم قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء/ 78].

وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء/ 103].

وليس في الآيات والأحاديث تفريق بين ما إذا طال النهار أو قصر، ما دامت أوقات الصلوات متميزة بالعلامات التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم لدخول أوقات الصلاة وخروجها.

وكذلك يجب عليه أن يصوم نهار رمضان كاملاً، طال النهار أم قصر؛ ويحل له الأكل والشرب والجماع ليلة ذلك اليوم، طالت الليلة أم قصرت؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} إلى قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة/187].[7]

2-  من كان يعيش في البلاد التي يطول نهارها وعجز عن إتمام صوم يوم لمشقة غير محتملة بسبب طوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن صوم هذا اليوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه؛ فإنه يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أيام أخرى تكون أقصر، ويتمكن فيها من القضاء.[8]  

3-  إن كانت بعض الصلوات في هذه البلدان يتمايز وقتها وبعضها لا يتمايز؛ فيجب صلاة ما يتمايز في وقتها المحدد، وما لا يتمايز فيقدَّر لها بأقرب البلاد إليها.[9]

ويظهر ذلك في السويد وما يوازيها من البلاد في صلاة العشاء، حيث يطلع الفجر قبل غيبوبة الشفق الذي به يدخل وقت صلاة العشاء.

والصحيح من قولي أهل العلم: أنه يجب عليهم أن يصلوا العشاء، ويقدروا لوقتها قدره، خلافا لبعض علماء الحنفية الذين يسقطونها لعدم وجود السبب وهو الوقت.[10]

جاء في "حاشية الروض المربع": "وفاقد وقتها، كبلغار [11]: مكلف بهما، فيقدر لها، كما يقدر في أيام الدجال؛ لما ثبت في صحيح مسلم قال: فاقدروا له ... وأفتى السرخسي والبلقاني بسقوطه عنهم، وأفتى غيرهما بوجوبه، وهو أوجه؛ قياسا على أيام الدجال".[12]

4-  إذا كان وقت العشاء في هذه البلدان لا يتسع لأداء الصلاة لضيق الوقت جدًا ؛ فكأنَّه لا وقت لها، ويقدَّر بأقرب البلاد إليها مما فيه ليل ونهار يتسعان لأداء الصلوات الخمس.[13]

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إن كان الشفق لا يغيب حتى يطلع الفجر، أو يغيب في زمن لا يتسع لصلاة العشاء قبل طلوع الفجر: فهؤلاء في حكم من لا وقت للعشاء عندهم، فيقدرون وقته بأقرب البلاد إليهم ممن لهم وقت عشاء معتبر، وقيل: يعتبر بوقته في مكة؛ لأنها أم القرى". [14]

5-  إذا كان وقت العشاء في هذه البلاد يتأخر كثيراً بحيث يكون في أداء الصلاة في وقتها مشقة، فلا حرج حينئذ من الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم، ولكن لا يجوز صلاة المغرب قبل وقتها بأي حال.

سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "عن بلاد يتأخر فيها مغيب الشفق الأحمر الذي به يدخل وقت العشاء ويشق عليهم انتظاره؟

فأجاب بقوله: ... إن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء، فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب، إلا أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم ، دفعا للحرج والمشقة لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ولقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر "، قالوا : ما أراد إلى ذلك؟ قال: " أراد أن لا يحرج أمته"، أي لا يلحقها الحرج بترك الجمع".[15]

وقد جاء في قرار "المجمع الفقهي الإسلامي" التابع لرابطة العالم الإسلامي:

"تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة، والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية، واستمعوا إلى الدراسات الشرعية، والفلكية، المقدمة من بعض الأعضاء، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس، وقرر ما يلي:

ثالثاً: تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:

المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45ْ) درجة و (48ْ) درجة، شمالاً وجنوباً، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة، طالت الأوقات، أو قصرت.

المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (48ْ) درجة و(66ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء، وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.

المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً، أو ليلاً.

رابعاً: والحكم في المنطقة الأولى: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس؛ عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة، والصوم، ومن عجز عن صيام يوم، أو إتمامه لطول الوقت: أفطر، وقضى في الأيام المناسبة ...".[16]

6-  الأصل أن تكون صلاة التراويح بعد صلاة العشاء ، ولكن نظرا لتأخر وقت دخول العشاء عندهم ، ففي حال الجمع بين المغرب والعشاء في وقت المغرب فإنها تُصلَّى بعد هذا الجمع.

قال النووي [s1] -رحمه الله-: "يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، ذكره البغوي وغيره، ويبقى إلى طلوع الفجر".[17]

وقال المرداوي- رحمه الله-: "وأول وقتها – يعني التراويح – بعد صلاة العشاء وسنتها على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور، وعليه العمل".[18]

وقال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله-: "وقتها – يعني التراويح – من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر" [19]. قال في "شرح منتهى الإرادات" [20] : " (ووقت وتر: ما بين صلاة العشاء - ولو مع) كون العشاء جمعت مع مغرب (جمع تقديم) في وقت المغرب - (وطلوع الفجر)" انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا حصل مطر فهل يجمعون المغرب والعشاء والتراويح جمع تقديم -إذا كانوا في رمضان-؟

فأجاب: نعم، إذا كان مطر، أو مشقة بالدحض والزلق في الأسواق، فالأفضل الجمع تسهيلاً على الناس.

وإذا جمع صلى التراويح بعد أن يصلي العشاء؛ لأنه صار وقتهما واحداً، إذا جمع بينهما في وقت المغرب صلوا التراويح بعد ذلك، لا بأس والحمد لله."[21] انتهى.


ثالثًا: صيام وصلاة من كان مقيمًا في بلد لا يتعاقب فيه الليل والنهار.

من كان يقيم في بلد لا يتعاقب فيه الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، كبلد يكون نهاره يومين، أو أسبوعا، أو شهرًا، أو أكثر من ذلك، كبلاد لا تغيب عنها الشمس صيفًا، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، فهؤلاء يجب عليهم أن يصلوا خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدِّروا لها أوقاتها بالاعتماد على أقرب البلاد التي تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة، إليهم، وأن يصوموا على هذا التقدير.

وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في هذه المسألة وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ: 12/4/1398 هـ ونصه ما يلي:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:

أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف، ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء/78].

وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء/103].

ولما ثبت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ)[22].

إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بَيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم.

وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة/187]، ومن عجز عن إتمام صوم يومه لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/185]، وقال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة/286]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج/78].

ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء ، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: (يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) [23].

ولما ثبت من حديث طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ...الحديث) [24].

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حَدَّث أصحابه عن المسيح الدجال، فقالوا: مَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)  [25]، فلم يعتبر اليوم الذي كالسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.

وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه، في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

هيئة كبار العلماء" انتهى [26].

 

المراجع

  1. ^ فتح الباري (4/134).
  2. ^ رواه البخاري (617) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (66202)، (50120).
  3. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (110407).
  4. ^ رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100).
  5. ^ المجموع شرح المهذب (6/ 304).
  6. ^ شرح عمدة الفقه (ص: 169)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم : (220838). 
  7. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (219806).
  8. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (5842).
  9. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (219806).
  10. ^ ينظر: مراقي الفلاح (ص 73).
  11. ^ وهي: "مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال، شديدة البرد لا يكاد الثلج يقلع عن أرضها صيفا ولا شتاء". [معجم البلدان (1/ 485)]. 
  12. ^ حاشية الروض المربع لابن قاسم (1/468).
  13. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (135415).
  14. ^ مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، (12/206).
  15. ^ مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، (12/206).
  16. ^ "الدورة التاسعة عشر" المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة، في الفترة من 22 - 27 شوال 1428هـ، الموافق 3 - 8 نوفمبر2007 م، القرار الثاني. ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (135415).
  17. ^ "المجموع" (3/526). 
  18. ^ "الإنصاف" (4/166).
  19. ^ "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/210)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (65561).
  20. ^ "شرح منتهى الإرادات" (1/ 238)
  21. ^ "فتاوى نور على الدرب" (9/ 486)
  22. ^ رواه مسلم (612).
  23. ^ رواه مسلم (162).
  24. ^ رواه البخاري (46) ومسلم (11).
  25. ^ رواه مسلم (2937).
  26. ^ "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/292/300) باختصار، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (106527).