يريد أن يمنح ولده لأخته التي لا تنجب لتربيته
أختي لا تنجب ، وقد بلغت 40 عاما ، فهل يجوز لي أن أمنحها أحد أبنائي الذكور ، مع الاحتفاظ بنسبته لي من حيث الاسم والمواريث والحقوق الأخرى ، فقط تربيه مع زوجها ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يكرمك بالثواب الجزيل على صلتك لأختك وبرك بها ، ونسأله عز وجل
أن يكتب لك الخير والسعادة في الدنيا والآخرة .
ثم نعلمك أخانا الفاضل بأن المحظور والمحرم في أمر الأنساب والأولاد هو نسبة الولد
إلى غير أبيه ، واعتبار ذلك النسب الكاذب موجبا للأحكام الشرعية الأخرى من ميراث
ونكاح وحقوق .
وبما أنك تنوي تجنب هذا المحذور ، فلا حرج عليك فيما دونه إن شاء الله تعالى ، فإذا
رغبت أختك في تربية ولدك وإبقائه عندها ليملأ عليها وحشتها ، ويعوضها ما حُرمته من
نعمة الولد ، فذلك أمر جائز إن شاء الله ، بل لك فيه الأجر والثواب عند الله .
ومن المعلوم أنه قد شرع التبني في أول الإسلام ، ثم جاءت النصوص المحكمة في تحريمه
، آمرة بنسبة الأولاد لآبائهم ، ومحرِّمة أن ينسب أحدٌ لغير أبيه ، وليس ذلك قطعاً
للمودة والإخاء والعناية والرعاية .
وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أمر التبني وتحريمه في الشرع المطهَّر ، ثم
قالوا :
" تبيِّن مما تقدم : أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية
، والحقوق الإسلامية ، من الإخاء ، والوداد ، والصلات ، والإحسان ، وكل ما يتصل
بمعالي الأمور ، ويوحي بفعل المعروف :
أ. فللإنسان أن ينادي مَن هو أصغر منه سنّاً بقوله : " يا بُني " ، على سبيل التلطف
معه ، والعطف عليه ، وإشعاره بالحنان ؛ ليأنس به ، ويسمع نصيحته ، أو يقضي له حاجته
، وله أن يدعو من هو أكبر منه سنّاً بقوله : " يا أبي " ؛ تكريماً له ، واستعطافاً
، لينال برَّه ، ونصحه ، وليكون عوناً له ، وليسود الأدب في المجتمع ، وتقوى
الروابط بين أفراده ، وليحس الجميع بالأخوة الصادقة في الإنسانية ، والدين .
ب. لقد حثت الشريعة على التعاون على البر والتقوى ، وندبت الناس جميعاً إلى الوداد
، والإحسان ، قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )
المائدة/ 2
، وقال صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل
الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )
رواه أحمد ومسلم
، وقال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
.
ومن ذلك : تولي اليتامى ، والمساكين ، والعجزة عن الكسب ، ومن لا يعرف لهم آباء ،
بالقيام عليهم ، وتربيتهم ، والإحسان إليهم ، حتى لا يكون في المجتمع بائس ، ولا
مهمل ؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته ، أو تمرده ، لما أحس به من قسوة
المجتمع عليه وإهماله ، وعلى الحكومات الإسلامية إنشاء دور للعجزة ، واليتامى ،
واللقطاء ، ومن لا عائل له ، ومن في حكمهم ، فإن لم يف بيت المال بحاجة أولئك :
استعانت بالموسرين من الأمة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أيما مؤمن ترك مالاً
فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك ديْنا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه )
رواه البخاري " انتهى
.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 357 - 359
) .
ثانياً:
وننبهك إلى أمرين مهمين في هذا الشأن :
1. لا ينبغي لك تسمية هذا الفعل بـ " المنحة " أو " الهدية " أو " الهبة " ، فأنت
لا تملك نفسك التي بين جنبيك فضلا عن ولدك ، والخلق كلهم خلق الله ، وهم عبيده
سبحانه ، فلا يحق لأي مخلوق إهداء ما لا يملك ، وفاقد الشيء لا يعطيه .
لذلك نرى لك ولأختك وأهلك استعمال لفظ " التربية " أو " العناية " لتكون عمة الولد
هي مربيته والمعتنية به ، وتكون أنت من دفع ابنه لأخته كي تعتني به وترعاه ، وليس
على وجه الهبة والهدية .
2. أننا لا نرى أن تنقطع عن ابنك انقطاعاً تامّاً ، لتنساه وينساك ولا يطلبك ، بل
عليك ألا تحرمه حق الأبوة الذي له عليك من الاهتمام بشأنه والسؤال عنه ، ليبقى حبل
المودة الذي فطره الله في قلوب بني آدم متصلا على بعد السنين والمسافات ؛ لأننا
نخشى إن طال زمانُ انقطاعكم وبعدكم عن ولدكم أن يُحدث ذلك في نفسه من الأذى والألم
ما لم يكن في الحسبان ، وقد يتطور ذلك الشعور إلى قطيعة حقيقية أو اضطرابات نفسيه
كنتم في غِنًى عنها ، والمصاب الأول بها هو هذا الابن .
كما قد تصير الأمور إلى العكس ، حين يبدأ الولد بالإدراك والتمييز ، فيرغب في
الرجوع إلى الوالدين وإكمال المشوار في كنفهما ، مما يؤدي إلى الأذى البالغ لأختك
التي ربته وتعلقت به وقضت سنوات طويلة في العناية به ورعايته ، ثم فجأة تفقد هذا
الأمل الذي عاش معها وعاشت معه فترة طويلة .
فإن غلب على ظنك حصول هذه الآثار ، فلا ننصحك حينئذ بسلوك هذا الطريق ، وإن كنا لا
نملك أن نحرم ونمنع - حيث لا دليل على المنع - إلا أن مراعاة دواخل النفوس ومكامن
الضعف ضروري لتجنب وقوع الأذى والضرر .
نسأل الله تعالى لكم الخير والتوفيق .
والله أعلم