مفاسد الاختلاط ، وهل إثمه على الرجل أم المرأة ؟
بعض الإخوة إذا ناقشته في حكم الاختلاط المحرم في عمله قال : إنه هو في وضعية طبيعية ، وأن الرجل هو الذي يعمل ، وأنه غير آثم في بقائه في هذا العمل. وحيث إن فرص العمل قليلة في بلدنا فنرجو تقديم لنا النصيحة بالاستفاضة.
الجواب
الحمد لله.
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل ، له آثاره السيئة ، ومفاسده الواضحة على
كلٍّ من الرجل والمرأة ، ومن ذلك :
1- حصول النظر المحرم ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، فقال
سبحانه: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)
النور/30، 31
.
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري) .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم ، ومنه المصافحة باليد ، لقول النبي صلى الله عليه
وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)
رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه
الألباني في صحيح الجامع برقم (5045).
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه ، وهذا محرم ؛ لقول
النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان )
رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح
الترمذي .
وفي رواية : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم
منها ، فإن ثالثهما الشيطان ) رواه أحمد
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في غاية المرام (180 )
.
4- ومن مفاسده : تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها ، أو العكس ، وذلك من جراء
الخلطة ، وطول المعاشرة .
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت ، فكم من رجل أهمل بيته ، وضيع
أسرته ، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل ، وكم من امرأة ضيعت زوجها
وأهملت بيتها، لنفس السبب ، بل : كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي
أقامها الزوج أو الزوجة ، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها ؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد ، وقد سبق
بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200).
والوضع الطبيعي للمرأة أن تكون قارة في بيتها ، لقول الله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)
الأحزاب/33
.
قال ابن كثير رحمه الله : "أي : الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة"
انتهى
.
والذين يسعون في الكسب ويقومون بالمهن إنما هم الرجال ، ولكن كون ذلك هو الوضع
الطبيعي ، وكون المرأة هي التي خالفت فزاحمت الرجال ، وخرجت متبرجة ، وارتكبت ما
نهى الله عنه ، كل ذلك لا يبرر للرجل المسلم أن يرتكب ما حرم الله عز وجل عليه، بل
هو مسؤول عن عمله وكسبه، وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ
إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )
الأنعام/164
.
والمسلم مأمور بأن يقف عند حدود الله تعالى ، ولا يتجاوزها لتجاوز الناس لها ، بل
هو مطالب بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقدر الطاقة ، لا أن يتخذ فعل الناس
للمنكر مبرراً له ليقع هو فيه، ولذا فالنصيحة لكل مسلم أن يحرص على سلامة قلبه من
التأثر بالفتن ، لا سيما فتنة المرأة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : (
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )
متفق عليه.
وأن يبتعد عن تلك المواطن التي يتخذها الشيطان مبدءاً لاستدراج الإنسان من ذنب إلى
ما هو أعظم منه، وعلينا أن نوقن بأن من توكل على الله كفاه ، ومن اتقاه جعل له
مخرجاً، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)
الطَّلاق:2-3.
فلْيَسْعَ المسلم في البحث عن عمل بعيد عن الاختلاط بالنساء ، فإن لم يجد فليتق
الله تعالى بقدر طاقته ، وذلك بغض بصره ، والحذر من التحدث إلى النساء من غير حاجة
، أو تجاوز ذلك إلى الضحك والمزاح ، أو الوقوع في الخلوة ، فمعظم النار من مستصغر
الشرر .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.