موضع التورك في الصلاة
هل هيئة التورك موضعها في التشهد الأخير من كل صلاة ، أم في الصلاة الرباعية فقط ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
التورك في الصلاة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري عن أبي
حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه
: ( وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى
وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ ) .
والتورك له صفات ثابتة :
الصفة الأولى : أن يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويخرجهما من الجانب الأيمن ،
ويجعل أليتيه على الأرض .
الصفة الثانية : أن يفرش القدمين جميعاً ، ويخرجهما من الجانب الأيمن ، ويجعل
أليتيه على الأرض .
ثانياً :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضع التورك في الصلاة ، فذهب الحنابلة : إلى أن
التورك يكون في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان ، وأما إن كانت الصلاة ذات
تشهد واحد ، كصلاة الفجر أو السنن التي تُصلى مثنى مثنى ، فإنه يجلس مفترشاً.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/364) : " ثُمَّ يَجْلِس فِي
التَّشَهُّدِ الثَّانِي مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ ، فَأَكْثَر مُتَوَرِّكًا ؛ لِحَدِيثِ
أَبِي حُمَيْدٍ ، فَإِنَّهُ وَصَفَ جُلُوسَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ
مُفْتَرِشًا ، وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , وَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا , وَزِيَادَة يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا , وَالْمَصِيرُ إلَيْهَا ,
وَحِينَئِذٍ لَا يُسَنَّ التَّوَرُّكُ ، إلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ
أَصْلِيَّانِ ، فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا "
انتهى .
وذهب الشافعية : إلى أن التورك مستحب في التشهد الأخير من الصلوات كلها ، سواء كانت
ذات تشهدين أو تشهد واحد ؛ وذلك لعموم حديث أبي حميد المتقدم ، وفيه : ( وإذا جلس
في الركعة الأخيرة ).
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" : "وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا
عَلَى أَنَّ تَشَهُّد الصُّبْح كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِير مِنْ غَيْره ؛ لِعُمُومِ
قَوْلُهُ : ( فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة ) "
انتهى
.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/431) : " مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي
مُتَوَرِّكًا , فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا "
انتهى
.
والراجح هو مذهب الحنابلة ؛ وقد اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (الشيخ عبد
العزيز بن باز ، والشيخ عبد الله بن قعود) .
انظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/15)
.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغنى" (1/318) : "جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا
يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ . لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ (
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ
رِجْلَهُ الْيُسْرَى , وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى). وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا
يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ : ( كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ , وَكَانَ
يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ , إلَّا مَا خَرَجَ
مِنْهُ ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي , فَيَبْقَى فِيمَا
عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ , وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ ,
فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ , وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ ,
إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ , وَمَا لَيْسَ فِيهِ
إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ , فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ "
انتهى باختصار
.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" : متى يجلس المصلي
جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة ؟
فأجاب : " التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين ، أي : الأخيرة من
المغرب ، والأخيرة من العشاء ، والأخيرة من العصر ، والأخيرة من الظهر ، أما الصلاة
الثنائية ، كالفجر ، وكذلك الرواتب ، فإنه ليس فيها تورك ، التورك إذاً في التشهد
الأخير في كل صلاة فيها تشهدان " انتهى
.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (13340).
والله أعلم