العمرة في شهر رمضان تعدل حجة، ما المقصود من ذلك ، أريد شرحا مفصلا؟
العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى.
فالمقصود من حديث (عمرة في رمضان تعدل حجة) التشبيه من حيث الثواب والأجر وليس من حيث الإجزاء.
الحمد لله.
روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران]، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً وفي رواية لمسلم: حجة معي.
اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث، على ثلاثة أقوال:
ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت: (الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أدري أَلِي خاصةً. – تعني: أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف، ضعفه الألباني في “ضعيف أبي داود”.
قال ابن رجب في “لطائف المعارف” (ص/249):
” واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر… – وذكر أمثلة لذلك منها -: وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة، قال: اعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي ” انتهى. ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531).
وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في “مجموع الفتاوى” (26/293-294).
انظر: “رد المحتار” (2/473)، “مواهب الجليل” (3/29)، “المجموع” (7/138)، “المغني” (3/91)، “الموسوعة الفقهية” (2/144).
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم – هو القول الأخير، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان، ويدل على ذلك:
وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع، فيقال: إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر !
ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة، وبيان ذلك بما يلي:
لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى.
فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر، وليس من حيث الإجزاء.
ومع ذلك، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر، وليست في جنسه ونوعه، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل.
فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد –، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع.
وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن.
قال إسحاق بن راهويه:
” معنى هذا الحديث – يعني حديث عمرة في رمضان تعدل حجة – مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ: قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن” “سنن الترمذي” (2/268).
وجاء في “مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج” (1/553):
” قلت: من قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) أثبت هو؟ قال: بلى، هو ثبت.
قال إسحاق: ثبت كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبدا ” انتهى.
وقال ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (26/293-294):
” معلوم أن مراده: أن عمرتك في رمضان تعدل حجة معي، فإنها كانت قد أرادت الحج معه، فتعذر ذلك عليها، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه، فكيف بعمرة !! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة ” انتهى.
للمزيد من التفاصيل، يُرجى مراجعة هذه الإجابات: (36766، 31819، 462598، 308766، 141234).
والله أعلم.