الدعاء في الصلاة بالزواج من رجل معين
هل يجوز أن أدعو في الصلاة أن أتزوج برجل محدد ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى جواز الدعاء في الصلاة
بحاجات الدنيا المتنوعة ، مما يُحِبُّ المُصلي أن يدعوَ به ويحتاج إليه ، كأن يدعو
بالزواج أو الرزق أو النجاح وغير ذلك .
واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم
الصحابة التشهد ثم قال في آخره : ( ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا
شَاءَ )
رواه البخاري (5876) ومسلم (402)
وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/331) عَنْ الْحَسَنِ والشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا
قَالَا :
" اُدْعُ فِي صَلَاتِك بِمَا بَدَا لَك "
انتهى .
وجاء في "المدونة" (1/192) :
" قَالَ مَالِكٌ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ فِي
الْمَكْتُوبَةِ ، حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ ، فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ
وَالسُّجُودِ . قَالَ : وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
قَالَ : بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ فِي حَوَائِجِي
كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فِي الْمِلْحِ "
انتهى
.
وخالف في ذلك الحنفية وأكثر الحنابلة ، فقالوا بعدم جواز الدعاء بأمور الدنيا في
الصلاة ، بل قالوا ببطلان صلاة من دعا بأي شيء من ذلك .
جاء في "الإنصاف" (1/81-82) من كتب الحنابلة :
" الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ , وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ :
فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ فِي
الصَّلَاةِ , وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ . وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ .
وَعَنْهُ – أي عن الإمام أحمد - يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ ,
وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَمَلَّاذِهَا . كَقَوْلِهِ :
اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ , وَحُلَّةً خَضْرَاءَ , وَدَابَّةً
هِمْلَاجَةً , وَنَحْوَ ذَلِكَ " انتهى
.
وجاء في "الفتاوى الهندية (1/100) من كتب الحنفية :
" وَلَوْ قَالَ : اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ
; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَيْضًا مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ "
انتهى
.
وانظر "فتح القدير" (1/319) ، "نصب الراية"
(1/558)
وقد أخذوا ذلك عن جماعة من السلف ، روى عنهم ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/332) أنهم
كانوا يستحبون الدعاء في الفريضة بما في القرآن فقط ، بل روى عن عَنْ ابْنِ عَوْنٍ
عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ : كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مِنْ
أَمْرِ الدُّنْيَا .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/265-266) :
" قال الحنفيّة والحنابلة : يسنّ الدّعاء في التّشهّد الأخير بعد الصّلاة على
النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن ، أو بما يشبه ألفاظ السّنّة ،
ولا يجوز له الدّعاء بما يشبه كلام النّاس ، كأن يقول : اللّهمّ زوّجني فلانة ، أو
أعطني كذا من الذّهب والفضّة والمناصب .
وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فذهبوا إلى أنّه : يسنّ الدّعاء بعد التّشهّد وقبل
السّلام بخيري الدّين والدّنيا ، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرّم أو مستحيل أو معلّق ،
فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته ، والأفضل أن يدعو بالمأثور "
انتهى
.
والصحيح هو قول المالكية والشافعية ، وذلك لقوة ما استدلوا به ، ولضعف حجة ما استدل
به أصحاب القول الآخر .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/454) :
" مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين
والدنيا ، وله – أن يقول - : اللهم ارزقني كسبا طيبا ، وولدا ، ودارا ، وجارية
حسناء يصفها ، و : اللهم خلص فلانا من السجن ، وأهلك فلانا ، وغير ذلك ، ولا يبطل
صلاته شيء من ذلك عندنا .
وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق .
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن .
واحتج لهم بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من
كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )
رواه مسلم .
وبالقياس على رد السلام وتشميت العاطس .
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء )
فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده ، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً .
ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية مختلفة ، فدل على أنه لا حجر فيه .
وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في
آخر التشهد : ( ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه ) و ( أحب إليه ) و ( ما شاء )
وفى روايه أبى هريرة " ثم يدعو لنفسه ما بدا له " قال النسائي وإسناده صحيح .
وعن أبى هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته : ( اللهم أنج الوليد
بن الوليد ، وعياش بن أبى ربيعة ، وسلمة بن هشام ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم
اشدد وطأتك على مضر ، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف )
رواه البخاري ومسلم .
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت
الله ورسوله ) وهؤلاء قبائل من العرب .
والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة .
والجواب عن حديثهم : أن الدعاء لا يدخل في كلام الناس .
وعن التشميت ورد السلام أنهما من كلام الناس ؛ لأنهما خطاب لآدمي بخلاف الدعاء .
والله تعالى أعلم " انتهى
.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) :
" وظاهر كلام المؤلِّف – يعني الإمام موسى الحجاوي من الحنابلة - : أنه لا يدعو
بغير ما وَرَدَ ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول : اللَّهُمَّ
اُرزقني بيتاً واسعاً ، أو : اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة ، أو : اللَّهُمَّ
اُرزقني مالاً كثيراً ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة ، وما أشبه ذلك ؛ لأن
هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا ، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله : لو دعا بشيء مما
يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه .
لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ .
والصحيح : أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا ؛ وذلك لأن الدُّعاء
نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا ، وليس للإنسان ملجأ إلا الله ، وإذا كان الرسول
صلى الله عليه وسلم يقول : ( أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد ) ويقول : (
أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم ) ويقول في حديث
ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ : ( ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء ) والإنسان
لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي ، فكيف نقول : لا تسأل
الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك ! هذا بعيد جدًّا ...
فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة "
انتهى
.
والحاصل أنه لا حرج عليك من الدعاء بتيسير الزواج من رجل معين – إذا كان من أهل
الصلاح والخير – وإن كان الأولى دائما استعمال جوامع الدعاء وما أُثِرَ عنه صلى
الله عليه وسلم ، وانظري جواب السؤال رقم (5236)
، (6585) ، (75058)
ثانيا :
ثم نحن - وإن كنا أفتينا لك بجواز دعائك في صلاتك بالزواج من رجل معين - إلا أننا
ننصحك – من الناحية النفسية والتربوية – ألا تبالغي في تفكيرك وحرصك على ذلك
الموضوع ، فالزواج قسمةٌ من الله سبحانه وتعالى ، ومن رحمته سبحانه بالخلق أن وسَّع
عليهم وأغناهم ، فلم يقصُرِ المقسومَ برجل معين ، وإنما علقه بمقوِّمات الخلق
والدين ، فحيث حلَّت هذه المقومات ، لزم على المسلم الرضا والقبول .
والمسلم المؤمن بقضاء الله وقدره يؤمن بحكمة الله في أمره وتصريفه ، وأنه سبحانه قد
يدفع عن العبد السوء الذي سعى إليه وأحبه وكان يدعو به ، لعلمه سبحانه أن الخيرَ في
غيره ، يقول الله تعالى : ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ
لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة/216
وشعار المسلم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة : ( وَاقْدُرْ
لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي )
رواه البخاري (1162)
فنرجو ألا يأخذ هذا الموضوع – من عقلك وقلبك - مساحة أكبر مما ينبغي ، فكثيرون هم –
بحمد الله – أصحاب الخلق والدين ، ونسأل الله تعالى يقدر لك الخير حيث كان ، وأن
يرزقك الرضا بما قسم لك وقدر .
والله أعلم .