هذه الأذكار جمعها أحد محبي العمرة، وكان يريد نشرها بين المعتمرين، فتوقف حتى يعود إليكم مشكورين في بيان الصحيح والسقيم: منها: ما يقول عند رؤية الكعبة: اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا ومهابة وبِرًّا، وزد مَن زاره ممن حج أو اعتمر تعظيما وتشريفا ومهابة، وتدعو بما شئت.
الحمد لله.
هذا الدعاء ورد من عدة طرق كلها ضعيفة لا تصح.
عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/81) قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل من أهل الشام، عن مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد ضعيف لسببين:
مكحول من التابعين، فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلة، والمرسل من أقسام الضعيف.
جهالة الراوي عن مكحول، ولكن رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/73) من طريق أخرى عن سفيان عن أبي سعيد الشامي، فلعله هو الرجل الساقط في إسناد ابن أبي شيبة. وأبو سعيد الشامي قال عنه الحافظ بن حجر في "التلخيص الحبير"(2/242): كذاب. انتهى.
عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الشافعي – كما في "المسند" (ص/125) قال: أخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/73).
قلت: وهذا سند صحيح إلى ابن جريج، فإن سعيد بن سالم هو القداح، قال فيه ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال ابن عدي: حسن الحديث، وأحاديثه مستقيمة، ورأيت الشافعي كثير الرواية عنه، كتب عنه بمكة عن ابن جريج، وهو عندي صدوق، لا بأس به، مقبول الحديث. انظر: "تهذيب التهذيب" (4/35).
إلا أن ابن جريج – وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج – من الذين عاصروا صغار التابعين، توفي سنة (150هـ) فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة، والحديث المعضل من أقسام الحديث الضعيف وهو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي.
ولهذا قال البيهقي: " هذا منقطع، وله شاهد مرسل " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/526):
"وهو معضل فيما بين ابن جريج والنبي صلى الله عليه وسلم، قال الشافعي بعد أن أورده: ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء، فلا أكرهه، ولا أستحبه. قال البيهقي: فكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه." انتهى.
وقال الزيلعي في "نصب الراية" (3/37): " وهذا معضل" انتهى.
ولعل طريق ابن جريج هذا يعود إلى مرسل مكحول السابق، فقد رواه الأزرقي في "أخبار مكة" (رقم/325) قال: حدثني جدي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، قال: حُدِّثت عن مكحول، أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى البيت رفع يديه فقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا.
عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/181) وفي إسناده عاصم بن سليمان الكوزي: كذاب وضاع، كذا اتهمه ابن عدي، والفلاس، والدارقطني، وقال النسائي: متروك. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال" (2/351).
وقد حكم عليه الشيخ الألباني في "دفاع عن الحديث النبوي" (36) بقوله: ضعيف جدا، بل موضوع.
وقد روى هذا الذكر أيضا الواقدي في "مغازيه" (3/1097) قال: فحدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهارا من كدى، على راحلته القصواء إلى الأبطح، حتى دخل من أعلى مكة، حتى انتهى إلى الباب الذي يقال له: باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، فوقع زمام ناقته، فأخذه بشماله، قالوا: ثم قال حين رأى البيت: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا) انتهى.
والواقدي متروك الحديث كما قال الحافظ ابن حجر، وشيخه ابن أبي سبرة هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، قال فيه أحمد بن حنبل: يضع الحديث ويكذب، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات. انظر: "تهذيب التهذيب" (12/28).
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/526):
"ورواه سعيد بن منصور في السنن له من طريق برد بن سنان، سمعت ابن قسامة يقول: (إذا رأيت البيت فقل: اللهم زده..) فذكره سواء" انتهى.
وذكره ابن سعد في "الطبقات" من غير إسناد (2/173).
والخلاصة: أن طرق الحديث كلها ضعيفة، ولا يقوي بعضها بعضاً.
ذهب كثير من العلماء إلى العمل به، واستحباب الدعاء بما جاء فيه، تساهلا في أبواب الأدعية والأذكار بالعمل فيها بالمراسيل، إذا لم تكن منكرة أو مكذوبة.
ولعل أول من نص على استحبابه الإمام الشافعي في "الأم" (2/184) حيث يقول بعد أن روى الحديث عن ابن جريج في (باب القول عند رؤية البيت):
"فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال مِن حَسَنٍ أجزأه إن شاء الله تعالى." انتهى.
وقال ابن عبد البر في "الكافي في فقه أهل المدينة" (ص/365):
" فإذا رأى البيت قال: اللهم زد هذا البيت شرفا وتعظيما ومهابة وتكريما، وزد من شرفه وعظمة ممن حجه أو اعتمر تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة.
وليس هذا القول من سنن الحج، ولا من أمره، ولم يعرفه مالك فيما ذكر عنه بعض أصحابه، وقد روي ذلك عن جماعة من سلف أهل المدينة " انتهى.
ومثله ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (26/120) -:
" وقد ذكر ابن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما. فمن رأى البيت قبل دخول المسجد فعل ذلك، وقد استحب ذلك من استحبه عند رؤية البيت، ولو كان بعد دخول المسجد." انتهى.
فإذا قال المسلم هذا الدعاء أو غيره، فلا حرج عليه إن شاء الله، لكن عليه أن لا يعتقد ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 279689، 96079، 47756، 11932، 130687، 106955.
والله أعلم.