مبتعث يريد التخلف في بلاد دراسته ويدفع غرامة التأخير فهل يجوز له؟
أنا طبيب موفد على حساب الدولة لنيل شهادة الدكتوراة ، لمدة ثلاث سنوات ، والمهم : أنه لدى عودتنا نتقاضى مبلغاً من المال لا يكفي لتغطية ربع النفقات الحياتية ، وأنا ليس لدي بيت للسكن ، فإذا عدت فلربما أمد يدي للناس للسؤال ، خاصة وأن الراتب لا يكفي للمعيشة ، فكيف سيكفي لإيجار السكن إضافة للمعيشة ؟ .
وسؤالي :
هل عليَّ إثم إن أنا تأخرت عن عودتي بشكل مؤقت لمدة قد تصل لسنتين ، أو ثلاث ، حتى أستطيع أن أوفر مبلغاً بسيطاً من المال لتأمين - على الأقل - سكني عند عودتي ؟ .
وسؤال آخر :
لو حصل وأنني أثناء فترة تخلفي قد حُكمت من قبَل الدولة بالغرامة المالية المترتبة على عدم عودتي : فهل إن قمت بتسديد المبلغ أبرئ ذمتي ، وأبرأ نفسي من الإثم ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
ابتداءً لا يمكننا أن نقول بجواز مخالفتك للعهد والميثاق الذي بينك وبين الجهة
الموفدة ؛ لأن الالتزام بالعهود والمواثيق واجب شرعي ، يحتِّم عليك الالتزام بها ،
وعدم نقضها ، فضلاً عن تبييت ذلك قبل الإقدام على إبرامها .
وحقيقة الأمر : أنك قلت ، ويجب عليك الصدق في القول ، ووعدتَ ، ويجب عليك الوفاء
بالوعد ، وأنك اؤتمنتَ ، ووجب عليك أداء الأمانة على وجهها ، وعاهدتَ ، ويجب عليك
الالتزام بالعهد ، وعدم نقضه ، وسواء كان كل ذلك بلسان مقالك ، أم بلسان حالك ،
فالأمر سيان ، ولا فرق بينهما .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا
مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة/ 119 .
وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا ) النساء/ 58 .
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ )
المؤمنون/ 8 .
فاحذر أن تبيِّت نية التخلف عن الوفاء بالشروط بينك وبين الجهة الموفدة ، واحتسب
أجر استقامتك على شرع الله ، وارج من الله أن يرزقك رزقاً حسناً بذلك .
قال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا .
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )
الطلاق/ 2 ، 3 .
ثانياً :
هناك محذور آخر تقع فيه إذا لم تلتزم بالشروط الموثقة بينك وبين الجهة الموفِدة :
وهو الضرر الذي توقعه عليهم جرَّاء تخلفك عن الرجوع إلى بلدك لتعمل معهم ، وما
أُنْفقت الأموال عليك في الابتعاث إلا من أجل أن تعمل معهم فور انتهائك من الدراسة
، وأنت بتخلفك هذا تعطِّل عليهم تلك السنوات التي ستغيبها ، وهو ضرر ولا شك وقع على
تلك الجهة الموفدة ، وأنت تتحمل تبعاته ، وآثامه .
وهناك محذور ثالث ، وهو إقامتك في بلد غير مسلم ، وهو ما نهى النبي صلى الله عليه
وسلم ، وسبق أن قررناه في فتاوى متعددة ، فانظر – مثلاً - : جوابي السؤالين : (38284)
و (13363) .
فإذا كان يجوز لك البقاء هناك من أجل دراسة لا توجد في بلاد المسلمين : فإن العمل
فيها ليس من الأعذار للبقاء هناك .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير .
والله أعلم