بعض النساء بعد ختمها لحفظ القرآن على شيختها تقوم بعمل احتفال بسيط وتقرأ فيه من نهاية المصحف ثم تصل ببدايته ( الفاتحة وخمس آيات من البقرة ) بغرض عدم قطع القراءة . فما حكم ذلك ؟.
الحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ....
فإن الاحتفال بمناسبة إتمام حفظ القرآن ليس بسنة ، فإنه لم يرد في ذلك شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام ولاعن أحدٍ من أصحابه ، ففعل ذلك على أنه من الدين بدعة ، ولكن الناس يفعلونه على أنه عادة تعبيرا ً عن الفرح بنعمة حفظ القرآن ، كالاحتفال بقدوم الغائب ، أو الحصول على وظيفة ، أو مسكن . فإذا كان الاحتفال لإتمام حفظ القرآن على هذا الوجه فلا بأس به ، وإذا تُلي شيءٌ من القرآن من أوله أو آخره دون تقيدٍ بسورةٍ معينة ولا صفةٍ معينة ، كوصل آخره بأوله كان ذلك حسناً . فإن تلاوة القرآن خير ما تعمر به المجالس ، ويُذكر به المجتمعون . وأما الدعاء عند ختم تلاوة القرآن فقد صحَّ عن أنس رضي الله عنه أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو بهم . فإذا دعا القارئ عند ختمه لتلاوة القرآن ، وأمَّن الحاضرون على دعائه كان حسناً .
وأمَّا تسمية المعلمة بشيخة فلا بأس به ، ولذلك تعلمين أيتها السائلة بارك الله فيك أن ما ذكرتِ من الاحتفال لا مانع فيه ، وأنه لا داعي إلى القراءة من نهاية المصحف ، ثم وصله بأوله ، فإن التقيد بهذه الصفة يحتاج إلى دليل ، لأن تلاوة القرآن عبادة ، والعبادة يجب التقيد فيها وفي صفتها بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).
كتبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك
وأما حديث الحال المرتحل الذي رواه الترمذي رحمه الله عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ
ولكن هذا الحديث ضعيف كما بيّن ذلك الترمذي رحمه الله بقوله بعدما ساقه : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ .
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله : فِي الإِعْلامِ " ص 289 ج 2 " بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ : فَهِمَ مِنْ هَذَا بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ خَتْمِ الْقُرْآنِ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَثَلاثَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لأَنَّهُ حَلَّ بِالْفَرَاغِ وَارْتَحَلَ بِالشُّرُوعِ , وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلا التَّابِعِينَ وَلا اِسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَّةِ , وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي كُلَّمَا حَلَّ مِنْ غَزَاةٍ اِرْتَحَلَ فِي أُخْرَى , أَوْ كُلَّمَا حَلَّ مِنْ عَمَلٍ اِرْتَحَلَ إِلَى غَيْرِهِ تَكَمُّلا لَهُ كَمَا كَمَّلَ الأَوَّلَ , وَأَمَّا هَذَا الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ فَلَيْسَ مُرَادَ الْحَدِيثِ قَطْعًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .