كنت أعمل في وظيفة قبل الزواج واكتسبت فيها بعض المال غير الحلال ، وبعد فترة من الزمان جمعت هذه الأموال واشتريت شقة سكنية واشتركت في نصف سيارة نقل ، وهذا كل ما أملكه ، وبعد الزواج عاهدت الله أن لا أدخل في بيتي مالا حراما ، وتركت العمل ، وتبت ، فماذا أفعل في الشقة والسيارة ؟ فأنا أريد أن أطهر بيتي ومالي من الحرام ، فماذا أفعل حتى يرضى الله عني ويتوب علي ؟
الحمد لله.
أولا :
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ، وأن يرزقك الرزق الحلال الطيب .
واعلم أن من شروط التوبة : رد المظالم إلى أهلها ، فإذا كان شيء من هذا المال أخذ بغير رضا ، كالسرقة أو الغش والخداع ، فيلزم رد المال إلى أصحابه ، فإن لم يمكن الوصول إليهم أو إلى ورثتهم بعد البحث والتحري ، فإنك تتصدق به على نية أنه لهم ، فإن جاء صاحبه يوما من الدهر ، فإنك تخيره بين رد المال إليه ويكون ثواب الصدقة لك ، أو إمضاء الصدقة ويكون ثوابها له .
ثانيا :
أما إذا كانت الأموال المحرمة قد أخذت في معاوضات أو أعمال محرمة ، على وجه التراضي ، كثمن الخمر ، وأجرة الغناء والزمر والكهانة وكتابة الربا وشهادة الزور ونحو ذلك من الأعمال المحرمة ، ففيها تفصيل :
أ – فما كسبه الإنسان من ذلك وهو جاهل بتحريمه ، فإنه له ، ولا يلزمه التخلص منه ؛ لقول الله تعالى في الربا بعد نزول تحريمه : ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/275 .
ب- وإن كان يعلم تحريم هذا المال ، لكنه أنفقه وذهب ، فإذا تاب الإنسان فلا شيء عليه .
ج – إذا كان المال باقيا ، فإنه يلزم التخلص منه بإنفاقه في وجه الخير ، إلا إذا كان محتاجا فإنه يأخذ منه قدر الحاجة ، ويتخلص من الباقي .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
أسأل سماحتكم عن فتوى شاعت بين الناس عن أحد العلماء ، بأن الشخص إذا كسب مالا من صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات ، وتاب إلى الله سبحانه وتعالى فإن هذا المال المكتسب عن طريق صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات وترويجها فإنه حلال .
فأجابوا : " إذا كان حين كسب الحرام يعلم تحريمه ، فإنه لا يحل له بالتوبة ، بل يجب عليه التخلص منه بإنفاقه في وجوه البر وأعمال الخير " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/33) .
قال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده . فقالت طائفة : يرده إلى مالكه ؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح .
وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو أصوب القولين ... " انتهى من "مدارج السالكين" (1/389) .
وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد" (5/778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون : " بالتصدق به ، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته ، ويتصدق بالباقي " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فإن تابت هذه البَغِيّ وهذا الخَمَّار ، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتّجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/308) .
وعليه ؛ فإن كنت بحاجة إلى الشقة ونصيبك من سيارة النقل ، فنرجو أن يعفو الله عنك ، ولا يلزمك التخلص من شيء من ذلك .
وعليك بالاجتهاد في الأعمال الصالحة والإكثار من الصدقة ، فإن الله تعالى يقول : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .
والله أعلم .