الحمد لله.
أولاً :
ثبت رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع : عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع والرفع منه ، وبعد القيام من الركعة الثانية .
وقد روى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ثانياً :
ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته على الراجح ؛ وهو مذهب الشافعي رحمه الله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى "أتموا" : أكملوا .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/118) : "قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته ، وما يتداركه آخرها ، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق , حكاه عنهم ابن المنذر قال : وبه أقول , قال : وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم , وهو رواية عن مالك وبه قال داود .
وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد : ما أدركه آخر صلاته ، وما يتداركه أول صلاته . وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين , واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ) رواه البخاري ومسلم .
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) رواه
البخاري ومسلم من طرق كثيرة .
قال البيهقي : الذين رووا "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث , فهم أولى .
قال الشيخ أبو حامد والماوردي : وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره , وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم .
فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين :
أحدهما : أن رواة (فأتموا) أكثر وأحفظ .
والثاني : أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء , والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل , قال الله تعالى : ( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ ) ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ).
قال الشيخ أبو حامد : والمراد : وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام ، والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها , والله أعلم " انتهى .
وعلى هذا ؛ فلو أدركت التشهد الأول مع الإمام في الصلاة الرباعية ، فإن الركعة الثالثة للإمام تكون هي الأولى بالنسبة لك ، وإذا سلم الإمام قمت لإتمام صلاتك، وتكون الركعة التي قمت إليها هي الركعة الثالثة .
وإذا أدركت الركعة الأخيرة مع الإمام ، فإنه إذا سلم قمت للركعة الثانية .
وفي كل هذه المواضع ، هل يستحب لك رفع اليدين أم لا ؟
أما قيامك بعد سلام الإمام إلى الركعة الثالثة لإتمام صلاتك ، فلا إشكال هنا في رفع اليدين ، لأن هذا من مواضع رفع اليدين ، كما سبق في حديث ابن عمر .
وأما ما عدا ذلك ، فقد اختلف العلماء في استحباب رفع اليدين ، بناءً على اختلافهم في علة رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة .
فذهب بعض العلماء إلى أن العلة هي القيام إلى الركعة الثالثة ، فقال هؤلاء في المسبوق : لا يرفع يديه إلا إذا قام إلى الركعة الثالثة .
وذهب آخرون إلى أن العلة هي القيام من التشهد ، فقال هؤلاء في المسبوق : متى قام من التشهد فإنه يرفع يديه ، ولو لم يكن قائماً إلى الركعة الثالثة ، وقد اختار هذا القول الأخير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
وانظر جواب السؤال رقم (21506) .
والله أعلم .