إن مما لفت انتباهي خلال تجولي في عالم الإنترنت : انتشار موضة " الميني عقال " ، وهي عبارة عن أساور يلبسها البنات ، والشباب ، وعلى حد زعمهم : أنها تعبِّر عن الهوية السعودية ؛ لأنها تأخذ شكل العقال ، وفي طرفه قطعة صغيرة من قماش الشماغ ! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل لبس هذا النوع من الأساور يجوز أم لا يجوز ؟ .
الحمد لله.
أولاً :
نأسف أن يصل الحال بالشباب الممتلئ نشاطاً وحيوية ما نراه في شوارعنا ، وأسواقنا ، وجامعاتنا ، في لبسهم ، وهيئتهم ، ومشيتهم ، فضلاً عن سلوكهم وأخلاقهم .
وقد عُرف عن الشباب الخليجي لباسهم المميز من الثوب الساتر ، والشماغ – أو الغترة – التي تغطي الرأس ، وغالباً ما يُلبس " العقال " ليثبت الشماغ على الرأس .
وعندما يكون الفراغ الروحي مسيطراً على طائفة من أولئك فإنهم يبتدعون ما يظنونه يملأ ذلك الفراغ ، فترك طائفة منهم لبس الثوب ، وجعل بدلا منه البنطال ، وتركوا الشماغ والعقال وكشفوا شعورهم وقد أغرقوها بالجل ! ونصبوا شعيرات منها تقف هنا وهناك ! .
ومن آخر ما ابتدعوه أنهم صغَّروا " العقال " و " الشماغ " جدّاً ، وبدلاً من أن يكونا على الرأس : صارا أسورة في أيديهم ! وأطلقوا عليه " الميني عقال " – أي : العقال الصغير - ، حتى يجمعوا بين لبس البنطال – الضيق أو الساحل – وبين لبس العقال ، والعجيب أنهم جعلوا لذلك اللباس التافه شعار " أقدر " ! ظانين أنه يصب في " تشجع الشباب على البحث عن ذاتهم ، وقدراتهم ، وطاقتهم الداخلية " !! وكتبوا عليه أيضاً " اعقل وتوكل " ! فصار هذا " الميني عقال " علامة على أن لابسه من الشباب ، وأنه يمتلء حيوية ، وأنه يفعل ما يشاء ، وبعض من سوَّق له أراد أنه يحمل رمزاً وطنيّاً ! حتى قال بعض الحمقى منهم إننا نتعرف على لابسه أنه من " السعودية " ! إن رأيناه في بلد أجنبي ، فيكون ذلك وسيلة للتقارب بيننا ! ثم انتقل إلى دول خليجية أخرى ، فادعوا أنه شعار ليعرف بعضهم بعضاً أن لابسه " خليجي " !
وإذا كان هذا صحيحاً ، فلماذا يلبسونه في بلادهم؟!
وهذا يعمق مفهوماً غير شرعي ، ويقوي التعصب لما لم يشرعه الله تعالى ، بل لما ذمه من التفرق والتشتت .
وهلا كان تميزهم بلباسهم الشرعي القديم الذي تخلوا عنه لأجل موافقة الغرب ؟! وهلاَّ كان تميزهم بدينهم ، وصلاتهم ، وحسن أخلاقهم ؟!
فلبس هذا "الميني عقال" يدل على الفراغ الذي يعاني منه هؤلاء الشباب ، وأنه لا يعرفون معالي الأمور ولا يشتغلون بها ، وإنما يشغلون أنفسهم بسفاسف الأمور وتفاهاتها .
ولبس هذا العقال ينطوي على مفاسد ، منها : أن المعصم إنما توضع فيه الزينة للنساء لا للرجال ، وقد (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) رواه البخاري (5546) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
أمّا السوار ، والقلادة في العنق ، وما أشبه ذلك : فهذا نحرِّمه من وجهٍ آخر ، وهو التشبه بالنساء ، والتخنث ، وربما يساء الظن بهذا الرجل ، فهذا يحرم لغيره لا لذاته .
" الشرح الممتع " ( 6 / 108 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 6697 ) .
ومنها : أن في لبس " الميني عقال " دعوة إلى التعصب ، وهو نوع من إحياء الجاهلية ، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بما فيه خير الناس ، فجمعت الناس على إله واحد ، ونبي واحد ، ودين واحد ، وقرآن واحد ، وقبلة واحدة ، وأذابت ما فيه تعصب للون ، أو الجنس ، أو العِرق .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
إن الواجب - يا إخواني - ألا نكون وطنيين ، وقوميين ، أي : ألا نتعصب لقومنا ، ولوطننا ؛ لأن التعصب الوطني قد ينضم تحت لوائه المؤمن ، والمسلم ، والفاسق ، والفاجر ، والكافر ، والملحد ، والعلماني ، والمبتدع ، والسُنِّي ، وطن يشمل كل هؤلاء ، فإذا ركزنا على الوطنية فقط : فهذا لا شك أنه خطير ؛ لأننا إذا ركزنا على الوطنية : جاء إنسان مبتدع إلى إنسان سُنِّي ، وقال له : " أنا وإياك مشتركان في الوطنية ، ليس لك فضل عليَّ ، ولا لي فضل عليك " ! ، وهذا مبدأ خطير في الواقع ، والصحيح هو التركيز على أن نكون مؤمنين .
ونبيِّن – أيضاً - أن التعصب للوطن ، وكون الجامع بيننا هو الوطنية : ليس بصحيحٍ أبداً ، ولا يستقيم الأمر إلا أن يكون الجامع بيننا الإيمان : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات/ 10 ، والآية نزلت في المدينة ، وكان في المدينة يهود قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ، ومع ذلك فلم يدخلوا في الآية مع أنهم مواطنون ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي .
فهذه مسألة خطيرة ، فالمبدأ الصحيح أن الذي يجمع بيننا هو الإسلام ، والإيمان ، وبهذا نكسب المسلمين في كل مكان .
" لقاء الباب المفتوح " ( 48 / السؤال رقم 6 ) .
والله أعلم