الحمد لله.
يمكن الجواب عن خروج الدجال وطريقه وأتباعه ضمن المسائل الواردة في السؤال في النقاط الآتية :
أولا :
بينت الأدلة الصحيحة أن خروج المسيح الدجال يبدأ من المشرق ، وتحديدا من إقليم خراسان، بل بالأخص من أصبهان في إقليم خراسان ، وهي من بلاد إيران اليوم :
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ )
رواه الترمذي (2237) وقال : حديث حسن غريب ، وحسنه الألباني .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ ، عَلَيْهِمْ السيجان )
رواه أحمد (21/55) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ ) رواه أحمد (41/15) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" يكون بدء ظهوره من أصبهان ، من حارة يقال لها : اليهودية " انتهى.
" النهاية " (ص/59)
ثانيا :
تنتقل هذه الفتنة - التي هي أكبر فتنة منذ خلق آدم إلى قيام الساعة – إلى أرجاء الأرض ، والظاهر من الأحاديث أنها تعم الأرض ، فقد جاء أنه لا تبقى مدينة إلا ويدخلها الدجال غير مكة والمدينة والمسجد الأقصى ومسجد الطور .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّ الأَعْوَرَ الدَّجَّالَ مَسِيحَ الضَّلاَلَةِ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فِي زَمَانِ اخْتِلاَفٍ مِنَ النَّاسِ وَفُرْقَةٍ ، فَيَبْلُغُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الأَرْضِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مِقْدَارُهَا ، اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مِقْدَارُهَا - مَرَّتَيْنِ - )
رواه ابن حبان في " صحيحه " (15/223) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير علي بن المنذر وهو ثقة . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " أخرجه البزار بسند جيد " انتهى. " فتح الباري ". وصححه الألباني في " صحيح الموارد " (1598)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وأما متى يهلك ومن يقتله ؟ فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة ، ثم يقصد بيت المقدس فينزل عيسى فيقتله ، أخرجه مسلم أيضا " انتهى.
" فتح الباري " (13/92)
وانظر جواب السؤال رقم : (32665)
ثالثا :
يقول الشيخ مشهور حسن سلمان :
" دلت أحاديث وآثار كثيرة صحيحة على خروج الدجال من ( خُراسان ) و( أصبهان )، وهبوطه ( خوز ) و( كرمان ) - وهي جميعاً الآن في (إيران) - ، وينزل قرية ( كوثا ) -وهي في نحو منتصف الطريق بين ( المحاويل ) و ( الصويرة ) ، وهي على (26) كيلو متراً من الأولى ، وتعرف اليوم بـ ( تل إبراهيم ) و ( تل جبل إبراهيم ) ؛ لوجود مرقد عليه قُبة في أعلى التل ينسب إلى إبراهيم - انظر: " بلدان الخلافة الشرقية " (ص 94-95) - وسمي بـ ( خلة ) بين العراق والشام ، ويدخل الأردن ، ويبدأ هلاكه بـ ( عقبة أفيق ) وهي قرية من حوران في طريق ( الغور ) ، والعامة تقول : ( فيق ) ، تنزل هذه العقبة إلى ( الغور ) وهو الأردن ، وهي عقبة طويلة نحو ميلين . أفاده ياقوت في " معجم البلدان " (1/233)، ثم يتحول إلى فلسطين ، ويتم هلاكه في مدينة ( اللد ) . ويسبقها - والله أعلم - إتيانه الحجاز ، ونزوله بسبخة في المدينة - هي (سبخة الجرف) غربي جبل أحد -، وتفصيل ذلك حديثيّاً يطول، وأكتفي بالإحالة على المصادر ..." انتهى.
" العراق في أحاديث وآثار الفتن "
رابعا :
يتبع الدجال طوائف كثيرة من الناس يومئذ ، وهم على أصناف :
1- الكفار عموما ، فهم أكثر الناس فتنة به وبما يظهره الله على يديه من الخوارق .
2- اليهود خاصة ، حيث ورد أنه يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان .
3- كثير من المسلمين الذين يفتنهم بالخوارق التي تظهر على يديه ، وخاصة عوام المسلمين وجهلتهم من الأعراب والنساء والصغار .
يقول الدكتور يوسف الوابل :
" أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك ، وأخلاط من الناس ، غالبهم الأعراب والنساء. روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ) وفي رواية للإمام أحمد : ( سبعون ألفا عليهم التيجان )، وجاء في حديث أبي بكر: ( يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة ) رواه الترمذي . قال ابن كثير : والظاهر والله أعلم أن المراد هؤلاء الترك أنصار الدجال . قلت – أي يوسف الوابل - : وكذلك بعض الأعاجم كما جاء وصفهم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم ، حمر الوجوه ، فطس الأنوف ، صغار الأعين ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، نعالهم الشعر ). وأما كون أكثر أتباعه من الأعراب ، فلأن الجهل غالب عليهم ، ولما جاء في حديث أبي أمامة الطويل قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن من فتنته – أي الدجال – أن يقول للأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك ؟ فيقول : نعم . فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان : يا بني ! اتبعه فإنه ربك )
وأما النساء فحالهن أشد من حال الأعراب ، لسرعة تأثرهن ، وغلبة الجهل عليهن ، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناة – واد في المدينة - ، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء ، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه ) مسند أحمد (7/190) " انتهى.
" أشراط الساعة " (311-312)
والذي يظهر من الأحاديث أن القلة هي التي تثبت على الإيمان ، وأن أكثر أهل الأرض يومئذ هم من أتباع الدجال .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين من " الحلية " بسند حسن صحيح إليه قال : ( لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل ، وسبعة آلاف امرأة ) وهذا لا يقال من قبل الرأي ، فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله ، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب " انتهى.
" فتح الباري " (13/92)
خامسا :
وقد لخص الحافظ ابن كثير قصة المسيح الدجال بعبارات جامعة يقول فيها :
" بدء ظهوره من أصبهان ، من حارة منها يقال لها اليهودية ، وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي ، عليهم الأسلحة والتيجان ، وهي الطيالسة الخضراء ، وكذلك ينصره سبعون ألفاً من التتار ، وخلق من أهل خراسان .
فيظهر أولاً في صورة ملك من الملوك الجبابرة ، ثم يدعي النبوة ، ثم يدعي الربوبية .
فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم ، والطغام من الرعاعٍ والعوام ، ويخالفه ويَرُدُّ عليه مَن هَدَى الله مِن عباده الصالحين وحزب الله المتقين .
يأخذ البلاد بلداً بلداً ، وحصناً حصناً ، وإقليماً إقليماً ، وكورة كورة ، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة ، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوماً يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيام الناس هذه ، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف شهر .
وقد خلق الله تعالى على يديه خوارق كثيرة يضل بها من يشاء من خلقه ، ويثبت معها المؤمنون فيزدادون بها إيماناً مع إيمانهم ، وهدى إلى هداهم .
ويكون نزول عيسى بن مريم مسيح الهدى في أيام المسيح الدجال مسيح الضلالة ، على المنارة الشرقية بدمشق ، فيجتمع عليه المؤمنون ويلتف به عباد الله المتقون ، فيسير بهم المسيح عيسى بن مريم قاصداً نحو الدجال ، وقد توجه نحو بيت المقدس ، فيدركهم عند عقبة أفيق ، فينهزم منه الدجال ، فيلحقه عند مدينة باب لد ، فيقتله بحربته وهو داخل إليها ، ويقول إن لي فيك ضربة لن تفوتني ، وإذا واجهه الدجال ينماع كما يذوب الملح في الماء ، فيتداركه فيقتله بالحربة بباب لدّ ، فتكون وفاته هناك لعنه الله ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه " انتهى.
" النهاية " (ص/59)
والله أعلم .