الحمد لله.
الواجب على المعلمة أداء الأمانة التي اؤتمنت عليها من التدريس ، والتقويم ، والتصحيح ، وفق الضوابط التي تحددها إدارة التعليم ، وليس لها أن تبخس أحدا حقه ، ولا أن تعطيه فوق ما يستحقه ؛ لأن ذلك ظلم لغيره ، وإخلال بالأمانة ، وفتح لباب المحاباة والمجاملة والفوضى ، وتسوية بين المجتهد المجد ، والضعيف المقصر .
وما دامت الأسئلة محددة الدرجات ، فالواجب إعطاء كل طالبة ما تستحق دون نقص أو زيادة.
قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) النساء/58 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "الواجب على المدرس أن يحكم بالعدل، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا) أي: لا يحملكم بُغْض قوم على ألا تعدلوا (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8] حتى إن العلماء قالوا: يجب على القاضي إذا تحاكم إليه خصمان أحدهما مسلم والثاني كافر أن يجلسهما منه مجلساً واحداً ، فلا يقول للمسلم : تعال هنا وللكافر : اذهب هناك .
بل يجعلهما جميعاً أمامه ، وأن يعدل بينهما في الكلام ، فلا يغلظ الكلام للكافر ويرققه للمسلم ، فلا يقول للمسلم : صبحك الله بالخير ولا يقوله للكافر ، بل يجعلهما سواء في باب المحاكمة ؛ لأن هذا هو العدل .
فهؤلاء التلاميذ إذا قدموا أجوبتهم فليَغُضَّ النظر عن كونه فلاناً أو فلاناً ، ليصحح على ما كان أمامه من قول ، إن صواباً فهو صواب ، وإن خطأً فهو خطأ ، كما أنه لا يجوز أن ينظر - إذا كان يعرف صاحب الجواب - إلى حال الطالب من قبل ، هل هو فاهم أو غير فاهم ؛ لأن بعض الناس أو بعض المدرسين يقَدِّر درجات التلاميذ على حسب ما كان يعرفه منهم ، وهذا غلط ، بل يجب أن يقدر الدرجات أو الترتيب على حسب ما رُفِع إليه في الجواب النهائي ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إنما أقضي بنحوِ ما أسمع) .
وكثيراً ما يكون الطالب جيداً ، فيتوهم في الجواب أو في السؤال ، فيفهم السؤال على أن السائل أراد به كذا ، ويجيب بحسب هذا الفهم .
أو يتوهم في الجواب فيظن أن جواب هذا السؤال هو كذا وكذا ، وهو غلط ...
فالمهم : أن الواجب على المدرس إذا قدمت إليه أوراق الإجابة ، أن يصحح حسب الجواب بقطع النظر عن المجيب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (21/25) .
وسئل رحمه الله : هل يجوز للمدرس أثناء تصحيح أوراق الطلبة أو أثناء الاختبار الشفوي أن يراعي سلوك الطلبة في الفصل ، فإن كان جيداً زاد له الدرجات ونحو ذلك؟ وأيضاً هل يجوز في أعمال السنة أن يزيد المدرس الطلاب درجة أو درجتين خوفاً من الظلم أو نحو ذلك ، لأنكم تعلمون أن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وأن دعوة المظلوم مستجابة ، وأن كثيراً من المدرسين يظلمون الطلاب ظلماً كبيراً دون أن يشعروا، فيخاف المدرس من هذا؟
فأجاب : "هذا السؤال مهم بالنسبة للمدرسين ، وأنا أعلم أنهم يجعلون درجات لسلوك الطالب وأخلاقه داخل المدرسة ، فيجب على المدرس الذي يحدد هذه الدرجات أن يحكم بالعدل ، وأن يتقي الله عز وجل ، فإن كان أحد الطلبة أحسن سلوكاً وأخلاقاً فإنه يعطيه درجته التي يستحقها ، وينقص من الطالب السيئ الأخلاق من درجات السلوك ما يستحقه ، ولا يحابي في ذلك أحداً .
أما درجة العلوم والرياضيات والمستوى العلمي فلا يزيد فيها ولا ينقص منها نظراً لسلوك الطالب ، وإنما يعطي كل طالب ما يستحقه من الدرجات أرأيت لو تحاكم رجلان إلى قاض أحدهما كافر والآخر مسلم فهل يهضم حق الكافر لأنه كافر؟ لا .
فمسألة الإجابة هي على حسب ما قدم لك من معلومات ، سواءً كان سيئ الأخلاق أو حسن الأخلاق .
المسألة الثانية : إذا كان المدرس قد ظلم الطالب فهذا لا يخلو من حالين : الحال الأولى : أنه كان يظن حين معاملة الطالب أنه على صواب ، وأنه مجتهد ، وهذا الذي أداه إليه اجتهاده ، مثل أن يوقفه في الفصل أو يضربه أو يطرده أو ما أشبه ذلك ، لكنه في ذلك الوقت يرى أنه على صواب ، ثم بعد التفكير يرى أنه أخطأ ؛ فهذا ليس فيه ظلم ، ولا يعاقب عليه الإنسان ؛ لأنه في ذلك الوقت كان مجتهداً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر) .
ولو أننا قلنا لكل متصرف في شأن غيره : إنه إذا أخطأ بعد اجتهاده تحمل هذا الخطأ ووقع عليه العقاب ؛ ما قبل أحد أن يتصرف في شأن غيره ، ولتعطلت مصالح العباد ، لكن من رحمة الله أن المتصرف لغيره كولي اليتيم والوكيل وناظر الوقف وغيرهم ، إذا تصرفوا وهم حين التصرف يرون أن هذا هو الصواب بدون تفريط منهم ، ثم بعد هذا تبين خطؤهم ؛ فإنه لا شيء عليهم ، لا ضمان في الدنيا ولا إثم في الآخرة .
الحال الثانية : أن يعلم أنه قد ظلم الطالب ظلماً حقيقياً ، وهو في ذلك الوقت يعرف أنه إنما عاقبه انتقاماً لنفسه فقط ؛ فحينئذ يسترضي الطالب دون أن يزيد في درجاته وإنما يعطيه حقه فقط ؛ لأنه إذا زاد في درجاته أوقع الظلم على الطلبة الآخرين ، وحصل من ذلك تشويش ، وربما أدى ذلك إلى فقدان الطلبة ثقتهم في معلميهم ، وهذا من أخطر الأمور ؛ لأن الطالب إذا فقد ثقته في معلمه لم يهتم بأوامره ، ولم يستفد منه حتى وإن أظهر أنه يستمع إليه وينصت إلى شرحه" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (49/10) .
وسئل أيضا رحمه الله : بالنسبة لتألف الطلاب في زيادة الدرجات هل هذا من باب تألف النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأقوام بالإبل؟
فأجاب : لا ، هذه خيانة ، تأليف الطالب أن تعامله باللطف والإحسان والهدايا المشجعة وما أشبه ذلك ، أما أن تعطيه درجات لا يستحقها فهذا خيانة ، وظلم للتلاميذ الآخرين ، ولو فتح هذا الباب لكان كل واحد يعطي الطلبة مائة بالمائة ، لماذا يا رجل؟ قال : نؤلفهم .
لأن المسألة لها طرف آخر وهم بقية الطلاب ، إذا أعطيته مثلاً مائة وهو يستحق خمسين وصاحبه الآخر يستحق ثمانين معناه : أنك ظلمت الثاني ، جعلت هذا قبله وهو دونه في الدرجات" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (230/20) .
والحاصل : أنه لا يجوز للمعلمة أن تعطي الطالبة أكثر مما تستحق من الدرجات ، كما لا يجوز أن تنقصها من حقها .
والله أعلم .