المقصود بالنهي عن كثرة السؤال
روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593) .
فهل يعني كثرة السؤال هنا كثرة الطلب من الناس؟
وهل يتعارض هذا مع كثرة الطلب من الله ، فالله يقول في كتابه الكريم : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60 ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
هذا الحديث من آداب الإسلام العظيمة ، إذا امتثله المسلم حفظ به عمرَه ، ومالَه ،
وجهدَه ، ووقاه من شر النفس ونوازع التفريط والضياع .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (وكثرة السؤال) أوجها
عديدة ، كلها تدخل في إطلاق هذا اللفظ ، وهي :
1- سؤال الناس أموالهم ، وبذل ماء الوجه في سبيل ذلك .
2- سؤال العلماء عن المسائل العويصة التي لا تنفع المسلمين ، وإنما تفتح عليهم
أبواب النزاع ، وتثير بينهم مكنون الشقاق .
3- السؤال عن المسائل التي يندر وقوعها أو يستحيل ، لما فيه من التنطع والتكلف .
4- كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وتفاصيل الوقائع مما لا يقدم منفعة
وإنما يضيع به الوقت .
5- كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله ، والدخول في خصوصيات حياته التي يكره أن
يطلع الناس عليها ، فيقع في الضيق والحرج بسبب سؤاله عن ذلك .
6- سؤال السائل عما لا يعنيه ، ولا شأن له به .
وهذه أمور مذمومة كلها – كما ترى - فالأوجَهُ في تفسير الحديث حمله على إطلاقه ،
واعتبار أن كل ما دل الشرع والأدب على كراهة السؤال عنه وكراهة طلبه فهو داخل في
هذا الحديث .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"قوله : (وكثرة السؤال) هل هو سؤال المال ، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات ، أو
أعم من ذلك ؟ الأولى حمله على العموم .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان ،
أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله ، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا ، وقد
ثبت النهي عن الأغلوطات . أخرجه أبو داود من حديث معاوية . وثبت عن جمع من السلف
كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا ، وإنما كرهوا ذلك لما فيه
من التنطع والقول بالظن ، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ" انتهى .
"فتح الباري" (10/407) .
وقال القرطبي رحمه الله :
"والوجه : حمل الحديث على عمومه ، فيتناول جميع تلك الوجوه كلها" انتهى .
"المفهم" (5/164) .
وقال النووي رحمه الله :
"وأما (كثرة السؤال) فقيل : المراد به القطع في المسائل ، والإكثار من السؤال عما
لم يقع ولا تدعو إليه حاجة ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك ، وكان
السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه ، وفي الصحيح : (كره رسول الله صلى
الله عليه وسلم المسائل وعابها) .
وقيل : المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة
بالنهي عن ذلك .
وقيل : يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني
الإنسان ، وهذا ضعيف ؛ لأنه قد عرف هذا من النهي عن (قيل وقال) .
وقيل : يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره ، فيدخل ذلك في
سؤاله عما لا يعنيه ، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤول ، فإنه قد لا يؤثر
إخباره بأحواله ، فإن أخبره شق عليه ، وإن كذبه في الأخبار أو تكلف التعريض لحقته
المشقة ، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب" انتهى .
"شرح مسلم" (12/11) .
وعلى هذا ، فمعنى (كثرة السؤال) أي : سؤال الناس .
وأما سؤال الله ودعائه فهو من أفضل العبادات ، فالله تعالى يحب من عباده أن يسألوه
، ويحب الملحين في الدعاء .
وبهذا يتبين معنى الحديث ، والفرق بين سؤال الناس الذين هم فقراء إلى الله ، وسؤال
الله الغني الحميد .
والله أعلم .