الحمد لله.
روى الإمام أحمد في "المسند" (29/505) وأبو داود (4784) من طريق إبراهيم بن خالد ، قال حدثنا أبو وائل صنعاني مرادي ، عن عروة بن محمد ، عن أبيه عن جده عطية بن عروة السعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ)
وهذا الحديث ضعيف ، ضعفه النووي رحمه الله في "الخلاصة" (1/122) ، وضعفه محققو مسند أحمد في طبعة الرسالة ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وهذا إسناد ضعيف ، عروة بن محمد وأبوه هما عندي مجهولا الحال ، ولم يوثقهما غير ابن حبان على قاعدته ! [يعني: في توثيق المجهولٍ] وقد قال الحافظ في الأول : "مقبول" يعني عند المتابعة ، وقال في أبيه : "صدوق" . و لو أنه عكس لكان أقرب إلى الصواب عندي ، فإن هذا قال الذهبي فيه : "تفرد عنه ولده الأمير عروة " فكيف يكون صدوقا ، سيما ولم يوثقه من يعتبر توثيقه ؟ وأما عروة فقد روى عنه جماعة لكنه لم يوثقه غير ابن حبان كما ذكرنا ، فبقي على الجهالة" انتهى .
"السلسلة الضعيفة" (581) .
وقال رحمه الله :
" الحديث روي عن معاوية بلفظ : (الغضب من الشيطان ، والشيطان من النار ، والماء يطفئ النار ، فإذا غضب أحدكم فليغتسل) .
رواه أبو نعيم في "الحلية" (2/130) و ابن عساكر (16/365/1) عن الزبير بن بكار : أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ياسين بن عبد الله بن عروة عن أبي مسلم الخولاني عن معاوية بن أبي سفيان أنه خطب الناس وقد حبس العطاء شهرين أو ثلاثة ، فقال له أبو مسلم : يا معاوية إن هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك ، ولا مال أمك ، فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا ، ونزل فاغتسل ثم رجع فقال : أيها الناس إن أبا مسلم ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي ولا مال أمي ، وصدق أبو مسلم ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (فذكر الحديث) اغدوا على عطاياكم على بركة الله عز وجل .
قلت : وهذا إسناد ضعيف أيضا ، ياسين بن عبد الله بن عروة لم أجد له ترجمة . وعبد المجيد بن عبد العزيز فيه ضعف ، قال الحافظ : " صدوق يخطيء ، وكان مرجئا ، أفرط ابن حبان فقال : متروك" . قلت : لفظ ابن حبان (2/152) : "منكر الحديث جدا ، يقلب الأخبار ، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك" انتهى .
"السلسلة الضعيفة" (582) .
ولكن معنى الحديث مقبول وصحيح من جهة الطب ؛ لأن الغضب يصاحبه فوارن الدم ، والماء يطفئ هذه الفورة ويكسر حدتها ، ولذلك ما زال الفقهاء يذكرون الوضوء كعلاج للغضب ، ولم ينكر ذلك أحد منهم ، وقد ذكره أيضا العلامة ابن القيم في كتاب "الوابل الصيب" في فصل : "فيما يقال ويفعل عند الغضب" انتهى . كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع كثيرة ، إلا أن ذلك لا يعني تصحيح الحديث ، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن المنذر رحمه الله :
"إن ثبت هذا الحديث فإنما الأمر به ندبا ليسكن الغضب ، ولا أعلم أحدا من أهل العلم يوجب الوضوء منه" انتهى .
" الأوسط " (ص/189).
وقال الدكتور محمد نجاتي :
"يشير هذا الحديث إلى حقيقة طبية معروفة ، فالماء البارد يهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال ، كما يساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي والعصبي ، ولذلك كان الاستحمام يستخدم في الماضي في العلاج النفسي" انتهى .
"الحديث النبوي وعلم النفس" (ص/122) .
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم : (658) ، (45647) .
والله أعلم .