الحمد لله.
ترك قراءة القرآن بالكلية من صور هجر القرآن التي ذمها الله تعالى في كتابه الكريم ، وذلك في قوله عز وجل : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا . وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) الفرقان/30-31
والآية وإن كانت واردة في سياق الحديث عن الكفار أعداء الرسل والرسالات ، إلا أنها أيضا تدل على أن هجر القرآن هو من أعمال الكفار وشأنهم ؛ فمن هجره هجرا تاما ؛ فلم يؤمن به ولم يتله ، ولم يعمل به : فهو كافر ، قد حقت فيه الآية ، وفي مثله تكون شكاة النبي يوم القيامة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " من هجر القرآن فهو من أعداء الرسول " انتهى من " مجموع الفتاوى " (4/106) .
ومن فرط في تلاوته ، أو تدبره ، أو العمل به : فقد وقع في شعبة من شعب الهجر ، بحسب ما ترك وفرط ، ويخشى عليه ، إن تمادى في ذلك ، أن تنزع حلاوة القرآن من قلبه ، فلا يستريح له ، ولا يتغنى به ، ولا ينشرح صدره به .
قال ابن القيم رحمه الله :
" هجر القرآن أنواع :
أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .
والثاني : هجر العمل به ، والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به .
والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه ، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين ، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم .
والرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .
والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها ، فيطلب شفاء دائه من غيره ، ويهجر التداوي به .
وكل هذا داخل في قوله : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) الفرقان/30، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض " انتهى.
" الفوائد " (ص/82)
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي :
ما حكم قراءة القرآن ، أهي واجبة أم مستحبة ؟ حيث سألنا عن حكمه فمنهم من قال : ليس بواجب ، إن قرأ فلا بأس وإن لم يقرأ فلا شيء عليه ، فإذا كان كذلك فقد يهجره الكثير ، فما حكم هجره وما حكم تلاوته ؟
فأجابت :
المشروع في حق المسلم أن يحافظ على تلاوة القرآن ، ويكثر من ذلك حسب استطاعته ؛ امتثالا لعموم قول الله سبحانه وتعالى : ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) ، وقوله : ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ) ، وقوله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ )، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة ) أخرجه مسلم في صحيحه .
وأن يبتعد عن هجره والانقطاع عنه ، بأي معنى من معاني الهجر التي ذكرها العلماء في تفسير هجر القرآن .. قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره : يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) ، وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه ، كما قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ) ، فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه ، فهذا من هجرانه ، وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه ، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه " انتهى.
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن قعود – عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4/100-102)
والله أعلم .