طالب علم يعلم النساء ، وتربطه بإحداهن علاقة خاصة !!
في بلدنا طالب علم له قدم في العلم وهو يحثنا على العلم والتقوى واتباع السنة والتأدب مع أهل العلم ونحسبه على منهج سلفي حق، وما يعلمنا في الدين شيئا إلى وله سند من كتاب أو سنة ويذم التقليد وإن كان تقليدنا له، ونحسبه يتقي الله في التعامل معنا كنساء سواء في الفتاوى أو غيرها، ويمكننا أن نخدم دعوته بعض الخدمات من نشر علمه وكذا، لكن وللأسف علمت من امرأة أحسبها صادقة أنه كان على علاقة غير صحيحة بها وذلك في السر، أؤكد ذلك في السر، وحكت أنه يحاول أن يجعل الأمر يأخذ شكلا شرعيا من الزواج لكن ظروفه تمنعه لكنه وللأسف على الرغم من ذلك لم يقطع كلامه معها ويقول إنه يحاول أن يهيء الظروف فهل نمتنع عن طلب العلم عنه وعن التعامل معه خاصة وقد أخذ الشيطان يوسوس لي ويقول لي إنه يقول ما لا يعمل ويشككني في كل شيء يقوله، أم نقول إن لكل إنسان خطأ وقد يكون مغلوب على هذا الذنب خاصة وقد علمناه يتقي الله في تعامله معنا، وخاصة أن هذا سر لا يعلمه إلا أشخاصا معدودين وأظن أنه لا يعلم بعلمي بهذا أصلا وليس معصوم إلا الأنبياء.
الجواب
الحمد لله.
من الحق أن نقول إنه لا أحد معصوم من المعاصي جميعها ، بل لكل أحد خطؤه وذنبه فيما بينه وبين ربه ، وهكذا حال بني آدم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) رواه مسلم (2749) .
لكن من الحق أيضا أن نقول : إن شأن عباد الله ليس كالذي يعمله هذا الطالب الذي يعلم النساء دينهن !!
إن الله تعالى قال عن عباده المتقين : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ) الأعراف /200-202.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان ، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته ، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ، وأن المتقي إذا أحس بذنب ، ومسه طائف من الشيطان فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب ، تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه ، وتذكر ما أوجب اللّه عليه ، وما عليه من لوازم الإيمان ، فأبصر واستغفر اللّه تعالى ، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة ، فرد شيطانه خاسئا حسيرا ، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم ، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب ، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب ، ولا يقصرون عن ذلك ، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء ، لأنها طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القياد لها ، وهم لا يقصرون عن فعل الشر " انتهى .
"تفسير السعدي" (313) .
فأي الصنيعين فعل هذا الطالب يا ترى ؛ هل فعل ما يفعله المتقون إذا أذنبوا ؛ لقد كان عليه أن يتذكر ، ويبصر نفسه وما جنت يداه ، أن يكون هو معلم الناس الخير ، ويعطيه الناس الأمان على بناتهم ، ويستأمنه النساء على أديانهن ، ثم هو يفعل ما يفعل :
وراعي الشاةِ يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئابُ ؟!!
لقد كان عليه أن يعلم من أين أتي ، وبأي شيء افتتن ، فيغلق عن نفسه باب الفتنة ، ويسد على الشيطان مسالكه إليه ؛ لقد كان عليه أن يشتغل بدعوة الرجال وتعليمهم ، ويدع ذلك لغيره ، لكنه مع ذلك استمر ، واستمر في علاقته واتصالاته ، وكل هذه منكرات ، كان عليه أن يدعها ، وأن يدع ذلك الباب كله : باب تعليم النساء ، والاتصال بهن ما دام قد أصابته الفتنة :
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ) رواه البخاري(4808) ومسلم (6881)
لقد كان على هذا الطالب أن يبصر مواقع الفتن ، وأن يعلم من أين أتي ، وأن استمراره في التعرض لذلك تغرير بنفسه ، ومخاطرة بدينه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين ، فلا ينزل العزب بين المتأهلين ، وهذا كله لأن اختلاط أحد المصنفين بالآخر سبب الفتنة ، فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب " انتهى .
"الاستقامة" (1/361) .
وأما أن ذلك كان سرا ؛ فهل كان يسعه غير ذلك ؛ أم تريدينه أن يتمشى في الشوارع مع فتاته التي تعلق بها ؟!!
فاسمعي هذا الحديث ، فما أخوفنا عليه من أن يصيبه ما فيه :
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) . رواه ابن ماجة (4245) وصححه الألباني .
وليس من شك في أن النصيحة لك الآن ، وقد علمت بذلك الأمر ، أن تقطعي علاقتك بدرسه ، وتدعي الحضور له ، وبأمكانك أن تعوضي ما فاتك منه بدروس أهل العلم الثقات ، ولو كان ذلك عن طريق المواقع الإلكترونية الموثوقة ، والأشرطة ، والكتب النافعة .. ، وسبل العلم كثيرة وميسرة والحمد لله .
بل يجب عليك أن تنصحي صديقتك بقطع علاقتها بهذا الطالب ، والتوبة إلى الله تعالى مما يفعلان ؛ فإن أراد بعد ذلك زواجا شرعيا ، فليقدم عليه في وضح النهار ، كما يفعل أهل الدين والمروءات ، من غير أن يتلصص على الحرمات ، وأن يفعل ما يفعله أهل الهوى والغواية .
ولو أمكن أن تصله رسالة بأن يتوقف عن درسه للنساء بالمرة ، ولو بالإشارة إلى أن بعض الناس قد عرف أمره ، من أجل أن يكف عما يفعل ، وأن ينتبه إلى خطورة ما يأتيه فهو أمر طيب ؛ لكن شريطة ألا يكون في ذلك نشر للخبر عند من لا يعرفه ، ولا إشاعة للقيل والقال ، بل ستر المؤمن على أخيه واجب شرعي ، لا سيما إذا كان يترتب على ظهور ذلك وانتشاره مفاسد عديدة ، وإساءة لأهل الدين والالتزام .
والله أعلم .