الحمد لله.
العمل في ترجمته من حيث الأصل من الأمور المباحة ، بل ربما كان من الأعمال المهمة التي يندب إلى الاشتغال بها ، وسد حاجة الأمة منها . لكن القول في ترجمة كتاب بعينه ، أو عمل ما ، يتبع ما يتضمنه هذا الكتاب من القول ؛ فإذا كانت مادة الكتاب تحتوي على بدع ، أو ضلالات ، أو فسق ، أو كفر ، يكون مترجم تلك الكتب مشاركاً في الإثم لمؤلفها ، وطابعها ، وناشرها . وأما إن احتوت تلك الكتب على مواد علمية ، أو شرعية نقية ، أو مادة مباحة : فإنه لا حرج في ترجمتها .
وفي تاريخنا الإسلامي القديم كان لترجمة كتب أهل الديانات الوثنية ، وأهل الفلسفة الملحدة أبلغ الأثر في انحراف طوائف من الناس عن هدي القرآن والسنَّة ، وقد ابتدأت تلك الترجمة في عهد الخليفة العباسي " المأمون " .
قال المقريزي - رحمه الله - :
وبتعريب المأمون لكتب الفلسفة : انتشرت مذاهب الفلاسفة في الناس ، واشتهرت مذاهب الفرق ، من : القدرية والجهمية والمعتزلة والأشعرية والكرامية والخوارج والروافض والقرامطة والباطنية ، حتى ملأت الأرض ، وما منهم إلا من نظر في الفلسفة ، وسلك من طرقها ما وقع عليه اختياره ، فانجرَّ بذلك على الإسلام وأهله من علوم الفلاسفة ما لا يوصف من البلاء والمحنة في الدين.
" الخطط المقريزية " ( 2 / 358 ) .
وعليه :
فلا يجوز لك – أخي السائل – العمل على نشر الكتاب الوارد ذِكره في السؤال ؛ لما في نشره من إقرار عقيدة الكفر ، والمساهمة في نشرها ، وقد ورد الشرع بالتحذير من التعاون فيما هو أهون من ذلك ، من مطلق الإثم ، فقال تعالى : ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/ 2 .
واعلم أن ما ذكرناه من الحكم هو فيما إذا كنت تترجم ما سيطبع ، ويوزع على الناس ، وأما إن كانت ترجمتك لذلك الكتاب – بل ولما هو أشد منه كفراً – لباحث مسلم ، أو مركز دراسات ، ليطلع هؤلاء على كتب أولئك الكفار ليردوا عليهم ، ويبينوا ضلالهم : فإنه لا حرج في ترجمة تلك الكتب ، على أن يكون أولئك محل ثقة ، وتطمئن أنهم لا يطبعون ما تترجمه لهم .
ويمكنك أن تساهم في نشر الإسلام بترجمة الكتب الإسلامية النقية ، لنشرها في الآفاق ، كما يمكنك ترجمة الكتب التي تحتوي على فوائد علمية ، أو طبية ، من اللغات الأخرى إلى العربية .
والله أعلم