الحمد لله.
أولاً:
نشكر الأخت السائلة على ثقتها بموقعنا ، وعلى حسن ظنها به ، كما نشكر لها سؤالها عن دينها وتحريها حكم الله ، وهو يدل – إن شاء الله – على دين وعقل رزقها الله إياهما ، فنرجو الله تعالى أن يوفقها لالتزام حكمه ، وأن يوفقها لما فيه رضاه ، وأن يجمع لها بين سعادة الدنيا والآخرة .
ثانياً:
وقوفك أيتها الزوجة السائلة مع زوجك ، وتوفيرك للنفقات من أجل شراء سيارة : مما يُشكر لك ، ويُثنى عليك من أجله ، لكن هذا لا يجعل السيارة التي اشتراها زوجك ملكاً لك ، ولا هي شراكة بينك وبينه ، وإنما يكون لك من الملكية فيها بقدر ما دفعتِ من ثمنها ، ولم تذكري شيئاً من ذلك ، فتكون السيارة ملكاً شرعيّاً لزوجك ، وهو قبل أن يتزوج بأخرى لا بدَّ أنه كان يقضي بها حوائج لنفسه ، ولا نظن أنك كنت تنكرين ذلك عليه بحجة أنك وفَّرت من كمال معيشتك لأجل شراء السيارة ، والظاهر أنك لم تفعلي هذا إلا بعد أن تزوج ! وهذا أمر نعرفه في عالم الزوجات .
وعليه : فالسيارة ملك له ، ولا حرج من استعمالها في توصيل زوجته الثانية بها ، وليس ثمة مجال للإنكار عليه .
ثالثاً:
سفر الزوج المعدِّد ليس فيه قسمة بين زوجاته ، وهو على حالين :
الأول : أن يكون سفراً مطلقاً ، وهنا يجب عليه أن يُقرع بين نسائه اللاتي يرغبن بالسفر معه ، واللاتي يمكنهن ذلك حقيقة ، فمن خرجت قرعتها سافر بها ، ولا يقضي للتي بقيت ، ويفعل هذا في كل سفرٍ يسافره حتى لو تكرر خروج القرعة لواحدة بعينها أكثر من مرة .
الثاني : أن يكون سفراً لحاجة إحدى نسائه ، كأن ترغب في السفر إلى أهلها ، أو للعلاج ، أو لحاجة غير ذلك ، فهنا يسافر بها ، ويقضي للتي بقيت .
وإن سافرت وحدها – دون زوجها - لحاجتها : فلا تُحسب مدة سفرها لها ، وليس عليه أن يقضي لها أيام سفرها لها إن رجعت .
وعليه : فليس للزوج أن يمتنع من السفر بك إلى أهلك بحجة أن يسافر بالزوجة الأخرى أولا ، وليس هذا من العدل الواجب عليه ، بل إنه يجلب مضرة وظلماً ، فيسافر بك إلى أهلك إن استطاع وتيسر له ذلك ، ويقضي للأخرى الأيام التي يقضيها معك في السفر ، وإن أوصلك ورجع ، أو سافرتِ مع أحدٍ غيره : فليس لك مطالبته بالأيام التي غبتِ فيها في سفرك ذاك .
والعدل الواجب على المعدِّد هو : أن يعدل في نفقته على نسائه ، وفي المبيت ، وفي السكن ، وفي الكسوة ، وتجدين تفصيل هذه الثلاثة في جواب السؤال رقم : ( 10091 ) .
وانظري جواب السؤال رقم ( 102446 ) ففيه ذِكر شيء من أحكام السفر للمعددين .
رابعاً:
ولا يجوز لزوجك أن يسمح بسفرك مع أولادك الصغار فقط ، إذا كانوا جميعاً دون سن البلوغ وليس لك أن تفعلي ذلك ؛ فسفرك إن لم يكن فيه معك محرَم من الرجال : كان سفراً محرَّماً ، وأثمتِ فيه أنت زوجكِ .
وفي أجوبة الأسئلة : ( 316 ) و ( 9370 ) و ( 4523 ) و ( 9708 ) و ( 5207 ) تجدين ذكر هذه المسألة ، فلتراجع .
وفي جواب السؤال ( 22369 ) ذكرنا شروط المحرم ، فلينظر .
خامساً:
والأغراض التي في بيتك إن كان شيء منها لك تملكينه على الوجه الشرعي : فلا يحل لزوجك أخذه إلا بإذنك ، وعن طيب نفسٍ منك ، وأما إن كانت تلك الأغراض ملكاً له : فهو يتصرف بها كما يشاء ، لكن لا يتصرف على وجه يكون فيه ظلم أو حيف ، وليس من العدل أن يَنْقُص من أغراض بيت لحساب بيته الآخر ، بل ينبغي أن يكون تصرفه خالياً من الظلم والميل ، ويكون وفق المصلحة وعلى حسب القدرة ، ومن الطبيعي أن تكون أغراض البيت الأول أقدم من أغراض البيت الثاني بسبب قدَم الزواج الأول وحداثة الزواج الثاني ، لكن لا يعني هذا أن لا يجدد أغراض البيت الأول إن تعينت الحاجة لذلك ، ولا يعني أن يَنْقُص منه ما يحتاجونه منها ، وعلى كل حال : فالمسألة تحتاج لتقوى ، لا لفتوى ، ففروع هذه المسائل كثيرة ومتعددة ، ومن كان من الأزواج المعددين صاحب تقوى : عرَف ما أوجبه الله عليه فالتزم به ، وما نهاه عنه فانتهى ، وتصرف في أموره الأخرى وفق المصلحة وعلى حسب القدرة دون أن يكون في تصرفه ميلٌ لجهة دون أخرى ، ولا هضم لحق واحدة على حساب الأخرى .
سادساً:
مما يجب على الزوج المعدد : النفقة على زوجاته باعتباره زوجاً ، وعلى أهل بيته باعتباره أباً ، ونعني بالنفقة الواجبة : أن يُنفق على كل بيتٍ ما يحتاجه أهله ، ولا شك أنه سيحصل تفاوت في تلك النفقة تبعاً لحجم الأسرة ، وأعمار أفرادها وحاجتهم ، والمهم في ذلك أن يوفِّر لكل بيت حاجته من الطعام والشراب وضروريات الحياة ، ولا مانع أن يزيد في النفقة لبيت دون الآخر بشرط أن يكون هناك مسوغ لهذه الزيادة ، كأن يكون استقبال ضيوفه في ذلك البيت ، أو يكون أفراد الأسرة أكبر حجماً ، أو تكون الزوجة أو أولادها يطرق بابَهم زوارٌ كُثر يحتاجون لضيافة ، وهكذا في أسباب كثيرة متعددة تجعل صاحب البيتين يقدِّر حاجة بعضهم أكثر من الآخرين .
وننصح الأخت السائلة أن تتعالى عن التفتيش والبحث فيما يحضره زوجها لبيتها الثاني ، وأن تطلب منه حاجة بيتها هي وأولادها ، دون النظر إلى ما يأتي به للأخرى ؛ فإن هذا أدعى لسلامة قلبها من المرض ، ولعقلها من الانشغال بتوافه الأمور ، وأدعى لتجنب المشكلات بينها وبين زوجها .
سابعاً:
إذا أراد الزوج تجنب المشكلات في حياته الزوجية : فلا نرى أن يُدخل إحدى زوجتيه على بيت الأخرى إلا بإذنها ، وأما أن يُدخلها ويجعلها تغيِّر في أثاث البيت وترتيبه : فليس له ذلك ، وهو بفعله ذلك يكون ظالماً لصاحبة البيت ؛ فالبيت هو مملكة الزوجة ، وهي ترتبه وتعتني به ، فدخول ضرتها عليه دون علمها ، وتغييرها في ترتيبه : يَنقُص من قدرها ، ويوقع الظلم عليها ، فليتجنب الزوج فعل ذلك ولا يفتح على نفسه أبواباً مغلقة من المشكلات مما هو في غنى عن الانشغال بها ، ومما يوقع العداوة والبغضاء بين زوجتيه وقد يؤثر ذلك مستقبلاً على علاقة أولاده من كلٍّ منهما بعضهم ببعض ، فيحصل بينهم – لا قدَّر الله – عداوة وبغضاء .
ونسأل الله أن يصلح حالكم وبالكم ، وأن يوفقكم لما يحب ويرضى .
والله أعلم