الحمد لله.
2ـ أن يكون الدين معجلاً ،
أو مؤجلاً قد حل أجله، فلا يجوز للمدين أن يتصدق، قبل الوفاء بالدين؛ لأن قضاء
الدين واجب ، والصدقة مندوب إليها، فلا يقدم مندوب على واجب؛ ولأن هذا داخل في
المطل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ) رواه البخاري
(2287)، ومسلم (1564)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى ) رواه الإمام أحمد(6858).
قال الإمام البخاري رحمه الله : " مَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ ، أَوْ أَهْلُهُ
مُحْتَاجٌ ، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ : فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ
الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ ؛ لَيْسَ لَهُ أَنْ
يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ
اللَّهُ.." انتهى من "صحيح البخاري" (2/112) .
قال بدر الدين العيني رحمه الله: " والمعنى أن شرط التصدق أن لا يكون محتاجاً ، ولا
أهله محتاجاً ، ولا يكون عليه دين، فإذا كان عليه دين : فالواجب أن يقضي دينه ،
وقضاء الدين أحق من الصدقة والعتق والهبة؛ لأن الابتداء بالفرائض قبل النوافل ،
وليس لأحد إتلاف نفسه وإتلاف أهله وإحياء غيره ، وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء
نفسه وأهله ؛ إذ هما أوجب عليه من حق سائر الناس " انتهى من "عمدة القاري شرح صحيح
البخاري" (13/327)
وقال ابن بطال رحمه الله:
"وأما قوله: وأما من تصدق وعليه دين، فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة،
وهو رد عليه. فهو إجماع من العلماء لا خلاف بينهم فيه" انتهى من "شرح صحيح
البخاري"(3/430)
جاء في "المنهاج مع شرحه مغني المحتاج" (4/197) : " من عليه دين يستحب أن لا يتصدق
حتى يؤدي ما عليه. قلت: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته ،
أو لدين لا يرجو له وفاء " انتهى . وينظر " "روضة الطالبين" (2/342) .
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ومن عليه دين لا يجوز أن يتصدق صدقة تمنع قضاءها ؛
لأنه واجب فلم يجز تركه " انتهى من "الكافي"(1/431).
إلا أن أهل العلم رحمهم الله استثنوا الأشياء اليسيرة، التي لا تقع موقعها من قضاء
الدين .
قال الأذرعي من الشافعية : " وهذا - التحريم - ليس على إطلاقه ؛ إذ لا يقول أحدٌ
فيما أظن أن من عليه صداق أو غيره ، إذا تصدق بنحو رغيف ، مما يقطع بأنه لو بقي لم
يدفعه لجهة الدين ، أنه لا يستحب له التصدق به , وإنما المراد أن المسارعة لبراءة
الذمة , أولى وأحق من التطوع على الجملة " انتهى من "نهاية المحتاج"(7/181)، وينظر
: "حاشية "قليوبي وعميرة" (3/206).
والله أعلم