الحمد لله.
أولا :
السنة عند إقبال الليل منع الصبيان - وكذا سائر البهائم من الإبل والغنم وغيرها – من الخروج ؛ لأن هذه ساعة تنتشر فيها الشياطين في الأرض ، فيخشى على الصبيان منهم ، أن يمسوهم بأذى .
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ ) .
رواه البخاري (5623) - واللفظ له - ومسلم (2012) .
و" جنح الليل " : إقباله بعد غروب الشمس ، وهو أول الليل .
وروى الإمام أحمد (14482) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( احْبِسُوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَوْرَةُ الْعِشَاءِ ؛ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تَخْتَرِقُ فِيهَا الشَّيَاطِينُ ) .
و" فورة العشاء " أوّل ساعة من الليل .
وروى مسلم (2013) عَنْ جَابِرٍ أيضا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ أَهْل اللُّغَة : ( الْفَوَاشِي ) : كُلّ مُنْتَشِر مِنْ الْمَال كَالْإِبِلِ وَالْغَنَم وَسَائِر الْبَهَائِم وَغَيْرهَا , وَهِيَ جَمْع فَاشِيَة ; لِأَنَّهَا تَفْشُو , أَيْ : تَنْتَشِر فِي الْأَرْض " انتهى .
والمعنى في هذه الأحاديث : امنعوهم عن التردد والخروج من البيوت في ذلك الوقت ؛ فإن الليل محل تصرف الشياطين ، وحركتهم في أوّل انتشارهم أشدّ اضطرابا ، فيُخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ .
راجع : "شرح النووي على مسلم" (13 / 185) - "غريب الحديث" للخطابي (1/448) - "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1 / 83) .
ثانيا :
المنع من نشر الغسيل ليجف في ذلك الوقت ليس له وجه ولا مستند ، ولا علاقة لنشر الغسيل بأول الليل أو آخره ، ولا انتشار الشياطين أو عدمه ؛ ولم يرد بذلك حديث صحيح أو ضعيف ، فيما نعلم ، وإنما وردت السنة في منع الصبيان وسائر البهائم – كما تقدم – .
ثالثا :
دل قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ... ) ، وقد مضى الحديث بتمامه ، على أن السنة إغلاق الأبواب ، وتغطية الآنية بالليل ، وذكر اسم الله على ذلك كله .
وما كان في معنى الأبواب كالستائر التي تستر بها الأبواب أو النوافذ ونحوها ، فلها حكم الأبواب ، من استحباب إرخائها ، وغلقها بالليل ، وذكر اسم الله عليها .
قال النووي رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيث فِيهِ جُمَل مِنْ أَنْوَاع الْخَيْر وَالْأَدَب الْجَامِعَة لِمَصَالِح الْآخِرَة وَالدُّنْيَا , فَأَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآدَاب الَّتِي هِيَ سَبَب لِلسَّلَامَةِ مِنْ إِيذَاء الشَّيْطَان , وَجَعَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأَسْبَاب أَسْبَابًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ إِيذَائِهِ فَلَا يَقْدِر عَلَى كَشْف إِنَاء وَلَا حَلّ سِقَاء , وَلَا فَتْح بَاب , وَلَا إِيذَاء صَبِيّ وَغَيْره , إِذَا وَجَدْت هَذِهِ الْأَسْبَاب . وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : : إِنَّ الْعَبْد إِذَا سَمَّى عِنْد دُخُول بَيْته قَالَ الشَّيْطَان : لَا مَبِيت " أَيْ : لَا سُلْطَان لَنَا عَلَى الْمَبِيت عِنْد هَؤُلَاءِ , وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الرَّجُل عِنْد جِمَاع أَهْله : " اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَان وَجَنِّبْ الشَّيْطَان مَا رَزَقْتنَا " كَانَ سَبَب سَلَامَة الْمَوْلُود مِنْ ضَرَر الشَّيْطَان .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث : الْحَثّ عَلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع , وَيَلْحَق بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا . قَالَ أَصْحَابنَا : يُسْتَحَبّ أَنْ يُذْكَر اِسْم اللَّه تَعَالَى عَلَى كُلّ أَمْر ذِي بَال " انتهى .
وينظر إجابة السؤال رقم : (127141) ، (101681) .
فالخلاصة : أن إغلاق الأبواب والنوافذ ، وما في معناها ، وذكر اسم الله عليها هذا الوقت هو أدب إسلامي صحيح .
وأما المنع من نشر الملابس فلا أصل له .
والله أعلم .