حكم العمل في شركات " شراء الديون "
هل يجوز للمسلم العمل بشركة متخصصة في شراء الديون المتأخرة والتربح منها؟ ويمكن أن تكون الديون أي شيء ، من بطاقات الائتمان ، والقروض ، إلى عقود التليفون - دون فصل بين الاثنين - .
الجواب
الحمد لله.
شراء الديون من أصحابها بثمن معجل أقل من قيمة الدَّين هو من العقود الربوية
المحرَّمة ، وقد اجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة ، فهي بيع ديْنٍ بنقدٍ متفاضلاً
ونسيئةً ، فالفضل : في زيادة الدين عن المبلغ المدفوع ، والنسيئة : في تأخير
استلامه إلى وقت حلوله .
وهناك علة أخرى تجعل العقد محرَّماً وهي "الغرر" فالقدرة على تحصيل الديون غير
متيقنة ، فهي مجهولة ، وقد (نَهَى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ
الغَرَرِ) كما رواه مسلم (1513) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وقد صدرت فتاوى العلماء وقرارت المجامع الفقهية بتحريم هذه المعاملة .
1. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"لا يجوز بيع ولا شراء سندات النقود الحالَّة والمؤجلة بأقل مما فيها أو أكثر مما
فيها ؛ لأن ذلك يعتبر من صريح الربا ، وقد اجتمع في هذه المعاملة ربا الفضل وربا
النسيئة ، وكلاهما محرم بالنص" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/333) .
2. وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي" التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته
السابعة :
- إن حسم (خصم) الأوراق التجارية : غير جائز شرعاً ؛ لأنه يؤول إلى "ربا النسيئة"
المحرم.
- الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله ، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع
وتعجل) : جائزة شرعاً ، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق ،
وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية ، فإذا دخل بينهما طرف ثالث : لم تجز ؛
لأنها تأخذ عندئذ حكم "حسم الأوراق التجارية" انتهى .
قرار رقم : 66 / 2 / 7 ، " مجلة مجمع الفقه الإسلامي " ، العدد السابع ، 2 / 217 .
والأوراق التجارية هي الشيكات ، والكمبيالات ، والسندات ، وما يشبهها .
3. وجاء في قرارات مجلس " المجمع الفقهي الإسلامي " التابع لرابطة العالم الإسلامي
في دورته السادسة عشرة :
ثانياً : من صور بيع الدَّيْن غير الجائزة :
أ. بيع الدَّين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين ؛ لأنه صورة من صور الربا ،
وهو ممنوع شرعاً ، وهو ما يطلق عليه " جدولة الدَّين " .
ب. بيع الدَّين لغير المدين بثمن مؤجل من جنسه ، أو من غير جنسه ؛ لأنها من صور بيع
الكالئ بالكالئ ( أي : الدَّين بالدَّين ) الممنوع شرعاً .
ثالثاً : بعض التطبيقات المعاصرة في التصرف في الديون :
أ. لا يجوز حسم الأوراق التجارية (الشيكات ، السندات الإذنية ، الكمبيالات) ؛ لما
فيه من بيع الدَّين لغير المدين على وجه يشتمل على الربا .
ب. لا يجوز التعامل بالسندات الربوية إصداراً ، أو تداولاً ، أو بيعاً ؛ لاشتمالها
على الفوائد الربوية .
ج. لا يجوز توريق (تصكيك) الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية ؛ لأنه في
معنى حسم الأوراق التجارية المشار لحكمه في الفقرة (أ) .
قرار رقم : 89 ( 1 / 16 ) .
وبناء على تحريم هذه المعاملة فإنه يحرم العمل في تلك الشركات والمؤسسات التي تقوم
على شراء ديون الناس ، سواء ما معهم من شيكات أو كمبيالات ، أو فواتير الهواتف
وغيرها .
وليحذر الذين يخالفون أمر الله تعالى أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
وليعلم ذلك الراغب في العمل في تلك الشركات أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً
منه ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً .
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق / 2 ، 3 .
فليجتهد في السعي عن عمل حلال ، ونسأل الله تعالى له التوفيق ، وأن يغنيه بحلاله عن
حرامه وبفضله عمن سواه .
والله أعلم .