الحمد لله.
أولا :
بر الوالدين من أجلّ أعمال البر ، ومن برهما برهما بعد موتهما ؛ فروى مسلم (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ , وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الثواب لَهُ , إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة ; لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا ; فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه , وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف , وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة , وَهِيَ الْوَقْف " انتهى .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :
" وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيّ " انتهى من "أسنى المطالب (2/4457) .
فلا يكون مجرد التصدق صدقة جارية حتى يكون وقفا يعود نفعه على المسلمين من الفقراء أو المجاهدين أو طلبة أو غيرهم .
راجع لذلك جواب السؤال رقم : (129195) .
ثانيا :
إذا تصدق الولد بصدقة عن أبيه أو أمه بعد وفاتهما يصل ثوابها إليهما بفضل الله ، فروى البخاري (1388) ومسلم (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) .
وكذا لو تصدق عن جده أو جدته أو غيرهما من موتى المسلمين .
قال النووي رحمه الله :
" وَفِي هَذَا الْحَدِيث : أَنَّ الصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت تَنْفَع الْمَيِّت وَيُصَلِّهِ ثَوَابهَا , وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء " انتهى .
ثالثا :
الراتب الشهري الذي يصرف بعد وفاة أبيك لأمك وأخيك وأختك ، هو من مالهم ، ولم يعد مالا لأبيك ؛ فلا يجوز التصرف فيه إلا بإذن المستحقين المذكورين في سؤالك .
روى البخاري (6442) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ : ( فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أَيْ أَنَّ الَّذِي يَخْلُفهُ الْإِنْسَان مِنْ الْمَال ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الْحَال مَنْسُوبًا إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ اِنْتِقَاله إِلَى وَارِثه يَكُون مَنْسُوبًا لِلْوَارِثِ , فَنِسْبَته لِلْمَالِكِ فِي حَيَاته حَقِيقِيَّة ، وَنِسْبَته لِلْوَارِثِ فِي حَيَاة الْمُوَرِّث مَجَازِيَّة ، وَمِنْ بَعْد مَوْته حَقِيقِيَّة . قَالَ اِبْن بَطَّال وَغَيْره : فِيهِ التَّحْرِيض عَلَى تَقْدِيم مَا يُمْكِن تَقْدِيمه مِنْ الْمَال فِي وُجُوه الْقُرْبَة وَالْبِرّ لِيَنْتَفِع بِهِ فِي الْآخِرَة , فَإِنَّ كُلّ شَيْء يَخْلُفهُ الْمُوَرِّث يَصِير مِلْكًا لِلْوَارِثِ " انتهى .
والخلاصة : أنه لا يجوز لك التصرف في شيء من هذا المعاش ، لا بصدقة عن الوالد ، ولا بغير ذلك ، إلا بإذن المستحقين للمعاش الذين ذكرتهم ؛ فإن أذنوا جاز ذلك ، وإن لم يأذنوا ، لم يجز ، ولا يجوز لك أن تستكرههم على شيء من ذلك ، أو تحملهم على ما لا يريدون .
راجع جواب السؤال رقم : (12652) ، (10507) ، (114837) .
والله تعالى أعلم .