الحمد لله.
ثانياً:
إنما يجب الحج على المستطيع ، وهو الذي يكون صحيح البدن ، ويملك من المال الزائد عن
نفقاته الأصلية ونفقات أهله ، ما يستطيع به السفر والرجوع من حجه .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 5261 ) .
وقد لا يستطيع الغني صحيح البدن في زمننا هذا الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة
الحج ، لما اتفق عليه من سفر عدد محدد من كل بلد ، وقد ذهبت بعض الدول لاعتماد
طريقة الأقدم في الميلاد ، ودول أخرى ذهبت لاعتماد طريقة القرعة ، فصار هذا الأمر
داخلاً في الاستطاعة الشرعية ، فمن لم يكن سنُّه يؤهله للحج على حسب ترتيب بلده ،
أو لم يظهر اسمه في القرعة : لا يعدُّ مستطيعاً ، إلا أن يملك وسيلة أخرى مباحة لا
يأخذ بها حق غيره فيكون حينئذٍ من المستطيعين .
ثالثاً:
وعليه : فإذا كان الأخ السائل ليس عنده قدرة مادية للحج السياحي : فلا يعدُّ
مستطيعاً ، وأما إن كان يملك من المال ما يستطيع دفعه لذلك النوع من السفر السياحي
، دون أن يؤثِّر في نفقة من تلزمه نفقتهم من أهله وغيرهم : فالذي يظهر أنه مستطيع ،
ويجب عليه اختيار الحج المتيسر له الآن لأداء فريضة الحج .
ثم إن هذا هو أنسب له من انتظار حج القرعة من وجوه أخرى - عدا احتمال وفاته - ،
منها :
1. أنه الآن مستطيع بدنياً ، وقد يظهر اسمه في القرعة في وقت لا يكون حينها مستطيعاً
السفر ببدنه .
2. أنه قد تأتيه مشكلات وموانع تحول بينه وبين ذهابه للحج ، لا سيما وظهور اسمه في
القرعة ليس أمرا مقطوعا ، وليس هناك دور ، أو نوبة ، تأتي على كل المتقدمين ، بل قد
يمر عليه الزمان الطويل دون أن يصيبه الدور .
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعجل للحج ، وأخبر أنه قد تحصل موانع تمنع
القادر الآن من القدرة لاحقاً .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ ) .
رواه أبو داود ( 1732 ) وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وبيَّن بعض الحكَم من هذا التعجل فقال : ( مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ
فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ )
رواه ابن ماجه ( 2883 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
3. أن حج القرعة قد تصل تكاليفه لاحقاً إلى حد الحج السياحي الآن ، والناظر في هذا
الأمر في دول العالَم يجده واقعيّاً ، فلا تزال تكاليف الحج تزداد عاماً بعد آخر .
لذلك كله : نرى أن على الأخ السائل التعجل في الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج عن طريق " الحج السياحي " إذا كان يملك من القدرة المالية ما يستطيع دفعه في ذلك النوع من السفر ، من غير أن يؤثر على نفقة أهله وأولاده ومن تلزمه نفقتهم ؛ لأنه ـ حينئذ ـ من المستطيعين للحج .
والله أعلم