زوجي كريم ويحبني ولا يبخل علي ، لم يمر على زواجنا سوى سنه فقط زوجي قبل أن يتزوجني كان يمارس اللواط ، وأنا لم أكن أعلم إلا بعد أن تزوجته ولاحظت ذلك من خلال طريقة مجامعته لي ، ثم بعد ذلك حاولت توضيح ذلك له ، بحثت في عدة مواقع وحاولت إرسال ما قرأت له حتى يقرأ ويعلم أنه حرام ، وقلت له : إن الله لا ينظر إلينا يوم القيامة
، أحسست أنه تعدل أياما ، ثم عاد ؛ علما بأنه لا يطلب ذلك مني إلا في فترات متفاوتة ، وأنا الآن على وجه ولادة ، وهو دايم يقول لي إنه لن يستطيع أن يتحمل في فترة النفاس ، وأنه يريد في هذه الفترة مجامعتي من الخلف ، حتى لا ينظر إلى شي في الخارج ، ولا ينظر أن يعمل شي حرام ، فجزاكم الله خيرا وضحوا لي ماذا أعمل ، وماذا أقول ؟!
الحمد لله.
أولا :
وطء المرأة في دبرها محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب
لما جاء فيه من الوعيد الشديد .
قال تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا
تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ . نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) البقرة/222، 223
والحرث : موضع الولادة ، أي القبل ، فيجوز للرجل أن يأتي زوجته في القبل على أي
كيفية شاء ومنها أن يأتيها من الخلف لكن في قبلها ، لا في دبرها .
من الأحاديث الواردة في ذلك :
قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ
كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ) رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) . والحديث : صححه
الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2433).
ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها فقال : (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى
امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) رواه أبو داود (2162) والحديث صححه الشيخ الألباني في
"صحيح الترغيب" (2432).
وقال صلى الله عليه وسلم : (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلا أَوْ
امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1166) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عن هذه الأحاديث : " طرقها كثيرة ؛ فمجموعها صالح
للاحتجاج به " انتهى من "فتح الباري" (8/ 191).
ثانيا :
اعلمي أن هذا العمل - مع كونه محرما - فيه من المضار والمفاسد على الرجل والمرأة ما
يؤكد وجوب البعد عنه والنفور منه .
قال ابن القيم رحمه الله في بيان هذه المضار : " وأيضاً : فللمرأة حق على الزوج في
الوطء ، ووطؤها في دُبرها يفوِّتُ حقها ، ولا يقضي وطَرَها ، ولا يُحَصِّل مقصودها
.
وأيضاً : فإن ذلك مضر بالرجل ، ولهذا ينهى عنه عقلاءُ الأطباء منِ الفلاسفة وغيرهم
، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوطءُ في الدُّبُر لا
يعين على اجتذاب جميع الماء ، ولا يخرج كلَّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعى.
وأيضاً : فإنه يضرُّ بالمرأة جداً ، لأنه واردٌ غريب بعيدٌ عن الطباع، مُنافر لها
غايةَ المنافرة .
وأيضاً : فإنه يُحِدثُ الهمَّ والغم ، والنفرةَ عن الفاعل والمفعول .
وأيضاً : فإنه يُسَوِّدُ الوجه ، ويُظلم الصدر ، ويَطمِسُ نور القلب ، ويكسو الوجه
وحشةً تصير عليه كالسِّيماء يعرِفُها مَن له أدنى فراسة .
وأيضاً : فإنه يُوجب النُّفرة والتباغض الشديد ، والتقاطع بين الفاعل والمفعول ،
ولا بُدَّ " انتهى من "زاد المعاد" (4/ 262).
ثالثا :
لا يجوز لك تمكين زوجك من هذا العمل القبيح ، بل يجب الامتناع منه ولو أدى ذلك إلى
ذهابك إلى أهلك ، بل إلى طلب الطلاق .
وزوجك هذا - على وجه الخصوص - يتأكد منعه من هذا المنكر ، لِما ذكرت من حاله قبل
الزواج ، نسأل الله العافية ، فإن استمراره معك على هذا العمل ، وعدم اكتفائه
واستغنائه بالوطء المباح ، قد يجره إلى الفاحشة مرة أخرى . ولا قيمة لما يذكره من
أعذار ، ولا شأن لك بأعذاره ، فإنه يدعوك إلى النار وغضب الجبار ، والإنسان ليس له
أن يريح غيره – إن كان في مثل ذلك راحة - بهلاك نفسه ، بل بهلاكهما معا .
وما دام أنه استقام بعض الأيام ، فنرجو أن يصرف الله عنه هذا البلاء ، وعليك أن
تعينيه على ذلك بالرفض الجازم الذي لا هوادة فيه ولا تراخي ، حتى ييأس من مشاركتك
له في الحرام ، وينقطع رجاؤه في ذلك .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : عما يجب على من وطئ زوجته في
دبرها؟ وهل أباحه أحد من العلماء؟
فأجاب : "الحمد لله رب العالمين ، الوطء في الدبر حرام في كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم ، وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين ، من الصحابة ، والتابعين ، وغيرهم ؛
فإن الله قال في كتابه : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، وقد ثبت في الصحيح : أن اليهود كانوا يقولون
: إذا أتى الرجل امرأته في قُبلها من دبرها جاء الولد أحول ، فسأل المسلمون عن ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، والحرث : موضع
الزرع ، والولد إنما يزرع في الفرج ؛ لا في الدبر . وقد جاء في غير أثر : أن الوطء
في الدبر هو اللوطية الصغرى ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن
الله لا يستحيي من الحق ؛ لا تأتوا النساء في حشوشهن ) و " الحش " هو الدبر ، وهو
موضع القذر ، والله سبحانه حرم إتيان الحائض ، مع أن النجاسة عارضة في فرجها فكيف
بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المغلظة .
وأيضا : فهذا من جنس اللواط " إلى أن قال : "ومن وطئ امرأته في دبرها وجب أن يعاقبا
على ذلك عقوبة تزجرهما ، فإن علم أنهما لا ينزجران فإنه يجب التفريق بينهما . والله
أعلم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 267) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : فضيلة الشيخ أرجو
الإجابة على هذا السؤال ؛ لأنه مهم عندي، فهو يقلقني ، زوجي يطلب مني أن يأتيني من
الخلف –أي : من فتحة الشرج- وأنا أرفض ذلك ، وهو يجبرني على ذلك لدرجة أني أبكي
وأرفض ولكنه يجبرني على هذا الشيء، أرجو الإفادة جزاك الله خيراً؟
فأجاب : "وطء المرأة في دبرها من كبائر الذنوب ، حتى جاء فيه الوعيد الشديد ، جاء
الوعيد بالكفر ، وجاء الوعيد باللعن ، وسمي هذا: اللوطية الصغرى ، والنصوص في هذا
كثيرة ، وما ذكر عن بعض السلف أنه أباحه خطأ عليهم ، كما ذكر ذلك ابن القيم في زاد
المعاد ، وغيره ، وإنما أرادوا أن يأتيها في الفرج من ناحية الدبر ، وهذا جائز لا
بأس به ، أن الإنسان يطأ زوجته في فرجها لكن من الخلف ، يأتيها من الخلف هذا لا بأس
به ؛ لقوله تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ ) البقرة/223، أما أن يطأها في الدبر فلا . وهنا مسألة : يظن بعض الناس
أنه إذا فعل هذا -أي: أتى أهله من الدبر- انفسخ النكاح ، وليس كذلك ، فالنكاح باقٍ
، لكن لو عاود واستمر وجب أن يفرق بينهما ، أي يبن المرأة وزوجها الذي يفعل هذا
الفعل .
وبالنسبة لها عليها أن تمتنع منه بقدر الاستطاعة . فنصيحتي أولاً للأزواج : أن
يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي أهليهم ، وألا يعرضوا أنفسهم للعقوبة . ونصيحتي
للزوجات : أن يمتنعن من هذا إطلاقاً ، حتى لو أدى ذلك إلى الخروج من البيت إلى
أهلها : فلتفعل ، ولا تبق عند هذا الزوج ، وهي في هذه الحالة ليست بناشز ؛ لأنها
فرت من معصية ، ولها النفقة على زوجها ، فلو بقيت عند أهلها شهراً أو شهرين فإنها
تطالبه بالنفقة ، لأن الظلم منه هو ؛ لأنه لا يحل له أن يكرهها على هذا الأمر "
انتهى من "اللقاء الشهري" (59/ 14).
وأما دعواه أنه لا يريد أن ينظر إلى الحرام : فإن ما
يريده هنا عين الحرام ، فأي فرق : ( كالمستجير من الرمضاء بالنار ) ؟!!
وبإمكانه ، إن كان صادقا ، أن يستمتع في فترة الحيض أو النفاس ، بكل شيء منك ، لكن
من غير جماع مطلقا ، لا في القبل ولا في الدبر ، ولو أدى استمتاعه بك إلى أن ينزل
في شيء من بدنك ، أو ينزل بيدك : فلا حرج في ذلك كله ؛ ما دام قد اجتنب الموضع الذي
حرم الله عليه !!
أفليس في الحلال الطيب غنية ، يا عباد الله ؟!!
نسأل الله أن يهدي زوجك ، وأن يصلح حاله ، وأن يدفع
عنكما الشر والبلاء والفتنة .
والله أعلم .