الحمد لله.
قال النووي رحمه الله في شرح
مسلم : " فمذهبنا ومذهب الجمهور أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء إلى جميع شعرها
ظاهرِه وباطنِه من غير نقض لم يجب نقضُها ، وإن لم يصل إلا بنقضِها وجب نقضُها ،
وحديث أم سلمة محمول على أنه كان يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض ؛ لأن إيصال
الماء واجب . وحُكِي عن النَّخعي وجوبُ نقضها بكل حال ، وعن الحسن وطاوس وجوب النقض
في غسل الحيض دون الجنابة ، ودليلنا حديث أم سلمة " انتهى .
وقال في "المجموع" (2/ 216) : " قال أصحابنا : ولو كان لرجل شعر مضفور فهو كالمرأة
في هذا والله أعلم " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " والرجل والمرأة في هذا سواء , وإنما اختصت المرأة بالذكر ; لأن العادة اختصاصها بكثرة الشعر وتوفيره وتطويله " انتهى من "المغني" (1/299) .
وقال الشوكاني رحمه الله في
"السيل الجرار" (1/72) :
" قوله : (وعلى الرجل نقض الشعر) .
أقول: ليس في هذا دليل صحيح يدل على وجوب ذلك ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال : ( أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا ) ... [ أحمد "2/132 - 133"،
البخاري "254"، ابن ماجة "276" ] .. والأحاديث بنحو هذا كثيرة .
ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب ذلك على النساء ، كما في الصحيح من
حديث أم سلمة ... ؛ والنساء شقائق الرجال ، فهذا التعليم لأم سلمة يدل على أن حكم
الرجال في ذلك حكم النساء ، ولم ينتهض دليل صحيح يدل على التفرقة بين الرجال
والنساء " انتهى .
وقد سئلت اللجنة الدائمة :
" هل هناك فرق بين غسل الرجل والمرأة من الجنابة ، وهل تنقض المرأة شعرها أو يكفيها
أن تحثي عليه ثلاث حثيات من الماء للحديث ، وما الفرق بين غسل الجنابة والحيض ؟ " .
فأجابت :
" .. لا فرق بين الرجل والمرأة في صفة الغسل من الجنابة ، ولا ينقض كل منهما شعره
للغسل ، بل يكفي أن يحثي على رأسه ثلاث حثيات من الماء ، ثم يفيض الماء على سائر
جسده ... " . انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/349) .
رابعا :
لا حرج في صلاة الرجل مع ضفره لشعره ، لكن يكره له العقص ، وهو جمع هذه الضفائر حول
الرأس كما تفعله النساء ، أو جمع الشعر وعقده في مؤخرة الرأس ؛ لحديث ابْنِ
عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي
وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ ، فَلَمَّا
انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : مَا لَكَ وَرَأْسِي ؟! فَقَالَ
: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) رواه مسلم
(رقم/492) .
قال المناوي رحمه الله : "( معقوص ) أي : مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو
مكتوف) أي : مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة ؛ لأن شعره إذا لم يكن منتشرا لا
يسقط على الأرض ، فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه ، كما أن يدي المكتوف لا
يقعان على الأرض في السجود . قال أبو شامة : وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما
تفعل النساء" انتهى من "فيض القدير" (3/6) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (26/ 109): " اتفق الفقهاء على كراهة عقص الشعر في
الصلاة ، والعقص هو شد ضفيرة الشعر حول الرأس كما تفعله النساء ، أو يجمع الشعر
فيعقد في مؤخرة الرأس ، وهو مكروه كراهة تنزيه ، فلو صلى كذلك فصلاته صحيحة ...
والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد مع المصلي ، ولهذا مثَّله في الحديث بالذي يصلي
وهو مكتوف .
والجمهور على أن النهي شامل لكل مَن صلى كذلك ، سواء تعمده للصلاة أم كان كذلك قبل
الصلاة وفعلها لمعنى آخر وصلى على حاله بغير ضرورة ، ويدل له إطلاق الأحاديث
الصحيحة وهو ظاهر المنقول عن الصحابة .
وقال مالك : النهي مختص بمن فعل ذلك للصلاة " انتهى .
والله أعلم .