الفرق بين الغناء والمعازف وحكم كلٍّ منهما
أكاتبكم وأملي كبير أن أجد عندكم ضالة سؤالي وأخرج من متاهة الشك إلى حظيرة اليقين ، الموسيقى تحليلها , وتحريمها , وأوجه الاختلاف في ذلك , موضوع تطرق له مجموعة من العلماء والشيوخ ، لكن ومن وجهة نظري الضعيف تبقى ردودهم دون المستوى الذي يتطلع إليه السائل ، لا يدققون ، ولا يفرقون بين الموسيقى والغناء والكلام الفاحش الملحن ، كلما سأل سائل في هذا الموضوع انطلقوا يهيمون في أمر الكلام عن الاختلاط والفيديو كليبات والتعابير الساقطة ... إلخ ، نحن يا شيخ لا نشك في تحريم ذلك ، لكن سؤالنا نحن : ما الموسيقى ؟ ما موقعها من مصادر التشريع الإسلامي ؟ ما الغناء ؟ ما حكم الاستماع لمقاطع موسيقية ، سواء أكانت خالية من الكلمات أو مصاحبة لكلمات لكنها محترمة وتعالج موضوعاً ذا قضية اجتماعية ؟ هل العزف على آلة موسيقية يعد محرماً قطعاً أم هناك حالات ؟ هل هناك آلات موسيقية حرمها الإسلام وأخرى أحلها ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
لا ننكر أن هناك خلطاً في كلام كثير من الناس ونقولاتهم بين المعازف والغناء ، وسبب
الخلط ثلاثة أمور :
الأول : عدم تحقيق معنى اللفظين في الكتاب والسنة وكلام السلف .
الثاني : إطلاق بعض أهل العلم لفظ المعازف على الغناء .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
ونقل القرطبي عن " الجوهري " أن المعازف : الغناء .
وقال ابن حجر – أيضاً - :
ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف .
" فتح الباري " (10 / 55 ) .
الثالث : أن الغناء الآن لا يوجد إلا بمصاحبة المعازف – آلات الموسيقى – فصار يطلق
على " الأغنية " هذا اللفظ وهي بلا شك مشتملة على معازف ، بينما يطلق لفظ " النشيد
" – غالبا – على ما خلا من المعازف المشهورة ، فصار المتحدث عن الغناء الذام له
إنما يقصد تلك الألفاظ الفاحشة والملحنة المصاحب لها آلات الموسيقى – المعازف - ،
والمتكلم عن المعازف إنما يتكلم عن استعمالها من قبل المغنين في أغنياتهم .
مع التنبيه لوجود فرق في استعمال " المعازف " و " الموسيقى " حيث يجعلهما كثير من
الناس شيئاً واحداً ، والصحيح أن لفظ " المعازف " عربي يراد به الآلات التي يُضرب
بها ، وهي آلات الملاهي ، وأما لفظ " الموسيقى " فهو " لفظ يوناني يطلق على فنون
العزف على آلات الطرب ... والموسيقى في الاصطلاح : علم يُعرف منه أحوال النغم
والإيقاعات وكيفية تأليف اللحون وإيجاد الآلات " كما جاء في " الموسوعة الفقهية " (
38 / 168 ) .
والعلاقة بين المعازف والموسيقى : أن المعازف تُستعمل في الموسيقى ، كما جاء في
المرجع السابق .
ثانياً :
فرقت النصوص بين المعازف والغناء ، وكذا ما نقل عن أهل العلم ، وسنذكر بعض هذه
النصوص بعد أن نبين الفرق بينهما ثم نذكر حكم كلٍّ منهما .
تعريف الغناء ، وأنواعه :
يطلق لفظ " الغناء " على رفع الصوت ، وعلى الترنم ، ومن أنواعه المشهورة : ما يقوله
المسافرون في سفرهم ، ويسمى " غناء الركبان " أو " النَّصْب " ، وما يقوله الراعي
في سوقه للإبل ، ويسمى " الحُداء " ، ويلتحق به : ما يغنيه الحجيج تعبيراً عن شوقه
للحج وللصلاة في مكة ، وما يقوله الشعراء في الجهاد لإلهاب الحماس للمقاتلين ، وما
تغنيه الأم لولدها وهي تلاعبه ، وهذا كله من أنواع الغناء الذي يخلو من آلات ومعازف
، وكله من الغناء الجائز – كما سيأتي - .
قال ابن منظور :
والنَّصْبُ : ضَرْبٌ [نوع] من أَغاني الأَعراب ، وقد نَصَبَ الراكبُ نَصْباً إِذا
غَنَّى النَّصْبَ .
" لسان العرب " ( 1 / 758 ) :
وقال الزبيدي - نقلاً عن " الفائق في غريب الحديث " للزمخشري في معنى " النَّصْب "
- :
وسُمِّىَ ذلك لأَنّ الصَّوْتَ يُنْصَبُ فيه أَي : يُرْفَع ويُعْلَى .
" تاج العروس " ( 1 / 972 ) .
وقال الحافظ ابن حجر :
الغناء يطلق على رفع الصوت ، وعلى الترنم الذي تسميه العرب ( النَّصْب ) ، وعلى
الحُداء ، ولا يسمَّى فاعله مغنيّاً ، وإنما يسمَّى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير
وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح .
" فتح الباري " ( 2 / 442 ) .
تعريف المعازف ، وأنواعها :
والمعازف هي آلات اللهو ، وهي ما يستعمل مع الغناء ، وتختلف أنواعها تبعاً للعصر
الذي تستعمل فيه ، وتصنع غالباً – قديماً وحديثاً - من الأوتار والصفائح والجِلد .
قال الفيروز آبادي :
والمَعازِفُ : المَلاهي كالعودِ والطُّنْبُورِ ، والعازِفُ : اللاعبُ بها
والمُغَنِّي .
" القاموس المحيط " ( 1082 ) .
وقال الزبيدي :
والمَعازِفُ : المَلاهِي التي يُضْرَبُ بها كالعُودِ والطُّنْبُورِ والدُّفِّ
وغَيْرِها ، وفي حَدِيُثِ أُمِّ زَرْعٍ " إِذا سَمِعْنَ صَوْتَ المَعازِفِ
أَيْقَنَّ أَنَّهُن هَوالِكُ "...
والعازِفُ : اللاعِبُ بها ، وأَيضاً : المُغَنِّي .
" تاج العروس " ( 1 / 6022 ) .
والطنبور من آلات الطرب الوترية ، وهو طويل العنق ، له صندوق نصف بيضوي ، فيه وتران
أو ثلاثة – كما قال الألباني في " تحريم آلات الطرب " ( ص 76 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
والمعازف هي الملاهي ، كما ذكر ذلك أهل اللغة ، جمع مِعْزَفة ، وهي الآلة التي يعزف
بها ، أي : يصوَّت بها .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 576 ) .
وقال :
والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 535 ) .
وقال ابن القيم :
المعازف هي آلات اللهو كلها ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك .
" إغاثة اللهفان " ( 1 / 260 ) .
ما ورد في المعازف :
عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه قال : قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ
الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ) .
رواه البخاري في كتاب الأشربة معلقا مجزوماً بصحته ، وقد وصله البيهقي في " السنن "
( 3 / 272 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 319 ) وابن حبان في " صحيحه " (
8 / 265 ، 266 ) ، وصححه ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 270 - 272) والحافظ
ابن حجر في " الفتح " ( 10 / 51 ) والألباني في " الصحيحة " ( 91 ) .
وقد زعم ابن حزم أنه منقطع ، وتبعه في ذلك بعض المقلدين ، ورد عليه الأئمة المحققون
.
قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح :
فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام ، وجعله جواباً عن الاحتجاج به على
تحريم المعازف ، وأخطأ في ذلك من وجوه ، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح ،
والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسنداً
متصلاً ، وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع .
" مقدمة ابن الصلاح " ( ص 36 ) .
ما ورد في الغناء :
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ ،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (رُوَيْدَكَ يَا
أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرْ الْقَوَارِيرَ) .
قَالَ قَتَادَةُ : يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ . رواه البخاري ( 5857 ) ومسلم (
2323 ) .
قال ابن حجر رحمه الله :
"وأما الحُداء : سوق الإبل بضربٍ مخصوص من الغناء ، والحُداء في الغالب إنما يكون
بالرجز ، وقد يكون بغيره من الشعر ، ولذلك عطفه – أي : البخاري - على الشعر والرجز
، وقد جرت عادة الإبل أنها تسرع السير إذا حُدي بها" انتهى .
" فتح الباري " ( 10 / 538 ) .
وقال ابن القيم :
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده : ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي
التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن ، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم :
أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب
على الماء .
" إغاثة اللهفان " ( 1 / 250 ) .
ثالثاً :
حكم المعازف :
لم يختلف الأئمة الأربعة في تحريم استعمال جميع آلات المعازف – الموسيقى - ، ومن
نقل عن واحدٍ منهم أنه أباح شيئاً منها أو استعملها فقد كذب عليه ، وما قاله هؤلاء
الأئمة الكبار هو مقتضى ما جاء في النصوص الصريحة الصحيحة ، وهو ما نقل عن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم .
قال القرطبي :
أما المزامير والأوتار والكوبة – وهي الطبلة - : فلا يختلف في تحريم استماعها ، ولم
أسمع عن أحدٍ ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك ، وكيف لا يحرم وهو
شعار أهل الخمور والفسوق ، ومهيج الشهوات والفساد والمجون ، وما كان كذلك لم يشك في
تحريمه ، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه .
نقله عنه ابن حجر الهيتمي في كتابه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ( 2 / 193 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 576 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 38 / 177 ) :
"ذهب الفقهاء إلى تحريم استعمال المعازف الوترية كالطنبور ، والرباب ، والكمنجة ،
والقانون ، وسائر المعازف الوترية ، واستعمالها هو الضرب بها" انتهى .
وعليه : فإن التحريم يشمل جميع آلات الموسيقى القديم منها والحديث ، بعضها بالنص ،
وبعضها بدخولها في عموم التحريم (المعازف) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
اعلم أخي المسلم أن الأحاديث المتقدمة صريحة الدلالة على تحريم آلات الطرب بجميع
أشكالها وأنواعها ، نصّاً على بعضها كالمزمار والطبل والبربط ، وإلحاقا لغيرها بها
وذلك لأمرين :
الأول : شمول لفظ ( المعازف ) لها في اللغة .
والآخر : أنها مثلها في المعنى من حيث التطريب والإلهاء ، ويؤيد ذلك قول عبد الله
بن عباس رضي الله عنهما : (الدف حرام ، والمعازف حرام ، والكوبة حرام ، والمزمار
حرام) .
أخرجه البيهقي (10/222) من طريق عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عنه
قلت : وهذا إسناد صحيح إن كان ( أبوهاشم الكوفي ) هو ( أبو هاشم السنجاري ) المسمى
(سعدا) فإنه جزري كعبد الكريم ، وذكروا أنه روى عنه لكن لم أر من ذكر أنه كوفي وفي
" ثقات ابن حبان " ( 4 / 296 ) أنه سكن دمشق والله أعلم .
" تحريم آلات الطرب " ( 92 ) .
ولا يستثنى من تحريم المعازف إلا الدف فقط وفي حالات معينة ، سبق بيانها في جواب
السؤال رقم (20406) .
حكم الغناء :
وبالنظر إلى تعريف الغناء الذي ذكرناه سابقاً يُعلم أنه لا تحريم للغناء من حيث
الأصل ، بل هو مباح ، إلا أن تستعمل آلات اللهو والمعازف معه ، أو يكون في الكلام
من الفحش والمنكر ما يقتضي تحريمه .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
وهذا الباب من الغناء قد أجازه العلماء ووردت الآثار عن السلف بإجازته وهو يسمى
غناء الركبان وغناء النصب والحُداء ، وهذه الأوجه من الغناء لا خلاف في جوازها بين
العلماء .
روى ابن وهب عن أسامة وعبد الله ابني زيد بن أسلم عن أبيهما زيد بن أسلم عن أبيه أن
عمر بن الخطاب قال : الغناء من زاد الراكب ، أو قال : زاد المسافر ...
فهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء إذا كان الشعر سالما من الفحش والخنى .
" التمهيد ( 22 / 197 ، 198 ) .
وقال رحمه الله :
وأما الغناء الذي كرهه العلماء فهذا الغناء بتقطيع حروف الهجاء ، وإفساد وزن الشعر
، والتمطيط به طلباً للهو والطرب ، وخروجاً عن مذاهب العرب .
والدليل على صحة ما ذكرنا : أن الذين أجازوا ما وصفنا من النَّصْب والحُداء هم
الذين كرهوا هذا النوع من الغناء ، وليس منهم يأتي شيئاً وهو ينهى عنه .
" التمهيد " ( 22 / 198 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
ويلتحق بالحداء هنا : [ غناء ] الحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة
وغيرها من المشاهد ، ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال ، ومنه غناء المرأة
لتسكين الولد في المهد .
" فتح الباري " ( 10 / 538 ) .
فكل غناء جاء تحريمه أو ذمه عن السلف فهو ما كان معه آلات طرب ، أو كان فيه غناء
امرأة أجنبية أمام الرجال ، أو العكس ، أو كان فيه تمييع وتخنث وتكسر ، أو كان فيه
من الألفاظ ما يوجب تحريمه وذمه ، أو كان فيه إسراف في الاستعمال حتى ألهى عن
واجبات في الدين .
فيكون الغناء مباحاً وفق شروط ، وهي :
أولها : أن يخلو من آلات اللهو والطرب .
ثانيها : أن لا يتشبه بالفساق والفاسقات من المغنين والمغنيات .
وثالثها : أن لا يُكثر منها حتى تكون ديدنه فيترك ما أوجب الله عليه .
ورابعها : أن لا يكون من امرأة أمام رجال أجانب .
وخامسها : أن لا يكون في الكلام اعتقاد فاسد أو فحش أو قبح أو ثناء على فعلٍ محرم .
وسادسها : أن لا يتخذها مهنة فيعرف بها .
وفي هذه الشروط أدلة عامة وخاصة ، ومنها :
1. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) . رواه أبو داود (
4031 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
2. أن المرأة لم يشرع لها أن تؤذن وأن تؤم بالناس ، وشرع لها التصفيق في الصلاة إذا
أرادت تنبيه الإمام لخطأ ، ولم يُشرع لها التسبيح ، فكيف سيكون حكم غنائها أمام
الرجال – وخاصة إذا كان فيه كلام فحش - ؟ .
3. عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ
عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ ،
يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ
" وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ) .
رواه البخاري ( 3779 ) .
فمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الغناء الذي يحوي كلاماً مخالفاً للشرع .
4. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي
جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ
الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ ، قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ
عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) . رواه البخاري ( 909 ) ومسلم ( 892 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
قال القرطبي قولها : " ليستا بمغنيتين " أي : ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه
المغنيات المعروفات بذلك ، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به ،
وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ، وهذا النوع - إذا كان في شعر فيه وصف محاسن
النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة - لا يختلف في تحريمه .
" فتح الباري " ( 2 / 442 ) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
وعلى كل حال من اتخذ الغناء صناعة يؤتى له ويأتي له أو اتخذ غلاماً أو جاريةً
مغنيين يَجمع عليهما الناس : فلا شهادة له ؛ لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة
وسقوط مروءة ، ومن حرَّمه فهو مع سفهه عاص مصرٌّ متظاهر بفسوقه ، وبهذا قال الشافعي
، وأصحاب الرأي .
" المغني " ( 12 / 42 ) .
رابعاً :
لا يستطيع الباحث في حكم هذه المسائل أن يقطع النظر عن كلمات الأغاني الحالية
السخيفة والمثيرة ، ولا يقطع النظر عن حركات المائلات المميلات ، ولا يقطع النظر عن
إثارة المعازف ، وأثر ذلك كله على من يستمعها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
والمعازف هي خمر النفوس ، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس ، فإذا سكروا
بالأصوات حلَّ فيهم الشرك ، ومالوا إلى الفواحش ، وإلى الظلم ، فيشركون ، ويقتلون
النفس التي حرم الله ، ويزنون ، وهذه الثلاثة موجودة كثيراً في أهل سماع المعازف.
" مجموع الفتاوى " (10 /417 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب : أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في
قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها : إلا سلط الله عليهم العدو ، وبُلوا بالقحط والجدب
وولاة السوء ، والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر ، والله المستعان .
" مدارج السالكين " ( 1 / 500 ) .
والله أعلم