الحمد لله.
أولا :
ثبت في الصحيحين ( خ: 3033 ) و ( م: 2835 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ زُمْرَةٍ
تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى
آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ
عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، لَا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ ، وَلَا تَحَاسُدَ لِكُلِّ
امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ
الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ " . وهذا لفظ البخاري .
وقد أجابَ العلماء عما قد يظن من أن المراد بهذا الحديث اقتصار تنعم المؤمن على
زوجتين من الحور العين مع ثبوت الأحاديث بأكثر من ذلك فقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه
الله ـ : "المراد: أنَّ أقلَّ ما لكلِّ واحدٍ منهم: زوجتان" انتهى من "فتح الباري"
(6/ 325) .
وقال الإمام ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ : "ولا ريب أنَّ للمؤمن في الجنَّة اكثر من
اثنتين؛ لما في الصحيحَين، من حديث أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «إنَّ للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة، طولها ستون
ميلاً، للعبد المؤمن فيها أهلون؛ فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضًا" (حادي الأرواح 1/
504) انتهى بتصرُّف واختصار.
ثانيا :
وأما المفاضلَة بين نساء الدُّنيا والحور العين في الجنَّة -درجةً وجمالاً-؛ فقد
اختلفَ أهلُ العِلْم في هذه المسألة على قولَين، فمِنهم مَن قدَّم الحور العين،
ومِنهم مَن قدَّم نساء الدُّنيا، وقد وردَ في ذلك أحاديث وآثار، لكن لم يصحَّ منها
شيء ولو صَحَّ لكان قاطعًا للنِّزاع في المسألة.
والذي يظهَر -والله أعلم-: أنَّ حال المرأة المؤمنة في الجنَّة أفضل من حال الحور
العين وأعلى درجة وأكثر جمالاً؛ فالمرأة الصالحة من أهل الدنيا إذا دخلت الجنة
فإنما تدخلها جزاءً على العمل الصالح وكرامة من الله لها لدينها وصلاحها، أمَّا
الحور التي هي من نعيم الجنة فإنما خلقت في الجنة من أجل غيرها وجُعِلَت جزاء
للمؤمن على العمل الصالح، وشتان بين من دخلت الجنة جزاء على عملها الصالح، وبين من
خلقت ليُجَازَى بها صاحب العمل الصالح؛ فالأولى ملكة سيِّدة آمِرَة، والثانية - على
عظم قدرها وجمالها - إلا أنها ـ فيما يتعارفه الناس ـ دون الملكة، وهي مأمورة من
سيِّدها المؤمن الذي خلقها الله تعالى جزاء له.
ينظر: تفسير القرطبي (16/ 154)، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة له
(985/ 3).
وقد سُئِلَ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين
تشمل نساء الدنيا؟
فأجاب: "الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكنَّ خيراً من الحور العين، حتى في الصفات
الظاهرة ، والله أعلم"؛ ينظر فتاوى نور على الدرب.
ثالثا :
وأما عن لقاء زوجات المؤمن في الدُّنيا بعضهنَّ ببعضٍ؛ فقد دلَّ حديث أبي موسى
الأشعريّ -رضي الله عنه- في الصحيحَين أنَّهنَّ لا يرى بعضهنَّ بعضًا؛ فقد قال
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة
طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا، وفي
رواية: في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن رواه البخاري
(3243، 4879)، ومسلم (2838) -واللفظ له-.
على أن الذي ينفع السائل هنا أن يعلم أن من نعيم الله تعالى على أهل الجنة أن ينزع
منهم الغل والحسد الذي يكون في قلوب أهل الدنيا ، وأن يذهب عنهم هم الدنيا ، وحزنها
، وآلامها ؛ فالجنة دار النعيم المقيم الذي لا ينغصه شيء مطلقا .
رابعا :
وأما سؤالك مع مَن ينام الزوج أثناء الليل؟: فاعلم -رزقنا الله وإيَّاك الجنَّة
بفضله ورحمته- أنَّ الجنَّة ليس فيها ليلٌ ونهارٌ، ولا شمسٌ ولا قمرٌ؛ فهي نورٌ
دائمٌ، وأهلها في نور أبديّ، وهم في أوقات تتعاقَب، قيل: إنَّهم يعرفونها بأضواء
وأنوار، وقيل أيضًا: إنَّهم يعرفون البكرة والعشية ومقدار اللَّيل بنور يظهر من قبل
العرش وبإرخاء الحُجب وإغلاق الأبواب!.
ينظر: تفسير البغوي (5/ 243)، وتفسير القرطبي (11/ 127)، والتذكرة له (1026/
3)، ومجموع الفتاوى لابن تيميَّة (4/ 312)، وتفسير ابن كثير (5/ 247).
إذا علمتَ هذا؛ فالرجل من أهل الجنَّة يتنعَّم ويتمتَّع بزوجاته مِن الدُّنيا ،
وبالحور العين ، على وَجهٍ فيه كفايته ولذته ونعيمه الأبديّ غير المنقطِع، ونعيم
زوجاته ولذتهن ؛ من غير تنغيص شيء ، ولا انقضاء لذة ، ولا ملل ولا ضجر !!
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبلِّغنا جنَّته، وينعم علينا كما أنعمَ على
عباده الصالحين، ويتجاوز عنا، آمين.
وللاستزادة يراجع السؤال رقم
(60188) .