إني أريد أن أزني ! أرجوكم إني لم أعد أطيق نفسي ؛ فإني منذ عشر سنوات أصبر ، الحمد لله أصلي وأصوم ولكني كلما خطبت امرأة يفشل الزواج ، أريد أن أزني ! أريد أن أزني ! أدعو ولا يُستجاب فماذا أفعل ؟ لا أطيق .
الحمد لله.
أولاً:
سنكون معك صرحاء كما كنتَ معنا صريحاً ، هل راسلتنا لأجل أن تستأذن منَّا في الزنى ؟! فنحن لا نملك الإذن في معصية الله لأحد ، وهل تريد منَّا أن نفتي لك بإباحة فعل تلك الفاحشة ؟! لا يستطيع مسلم فعل ذلك ؛ فالزنا كبيرة من كبائر الذنوب ، شرع الله تعالى الحدَّ عليها في الدنيا بالجلد والرجم ، ورتَّب عليها أحكاماً مثل تحريم تزويج الزاني حتى يتوب ، وتوعَّد عليها بالعذاب الأليم في الآخرة ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض ذلك العذاب وهو تنور في نار جهنم يَجمع الله تعالى فيه الزواني والزانيات عراة يصليهم لهيب النار ويُسمع لهم ضجيج أصوات عظيم ، فلسنا نملك أذوناً لمن أراد فعل الفاحشة ، وليس عندنا فتوى تجيز فعل تلك الفاحشة .
ثانياً:
قد وعدناك أن نكون معك صرحاء كما كنتَ معنا كذلك ، فهب أن من وصل به الحال من الشدة والعنت هو " أختك " أو " أمك " – لا قدَّر الله - ورغبت أن تفعل كما تريد أن تفعل أنت ، فما موقفك من هذا الطلب وتلك الرغبة ؟! نحن نعرف إجابتك ولا ننتظرها ، لكننا ننبهك - فقط - إلى شناعة ما تطلب وما ترغب بفعله .
دعك من هذا وانظر لأمر آخر ، كم من الشباب في العالم له الرغبة نفسها في الزنى ، وقد يكون شريفاً – مثلك – ووصل به الحال من العنت والمشقة ما لا يطيقه ، ورغب بالزنى وكانت المرأة المرغوب بالزنى معها " أختك " أو " أمك " – لا قدَّر الله - ، فماذا أنت قائل ؟! ونحن نعرف إجابتك أيضاً ولا ننتظرها منك ، فاعلم أننا لو أبحنا لك فعل تلك الفاحشة فمعناه أننا نبيح لأختك ولأمك فعل الفاحشة نفسها ، ولو أبحنا لك فعل تلك الفاحشة ، فمعناه أننا نبيح للناس فعل الفاحشة في " أختك " و " أمك " ، وهذا ما لا يمكن أن يكون في هذا الشرع المطهر ، فعِرض أختك وأمك مصون بالشرع ، محافَظ عليه بالأحكام الربانية ، ومن يتعدَّى عليه يلقَ وبالاً وعذاباً في الدنيا والآخرة ، أرأيتَ كيف أن الشريعة المطهرة جاءت بالصون والحماية لعرض أهلك فكيف تريد منَّا أن ندنِّس أعراض النساء بأن نقول لك " افعل ولا حرج " !! .
وهذا الذي قلناه لك من المثال قد قاله خير الناس وأشرفهم وأعلمهم بربه تعالى وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قاله لشاب قد جاءه يستأذنه في الزنا ، فقال له " أترضاه لأمك ؟ أترضاه لأختك ؟ فنرجو أن تعي أننا ما أردنا إلا أن نبين لك قبح طلبك وشناعة رغبتك ، فأعراض الناس ليست مستباحة لمن رغب بهتكها ، بل هي مصونة بالشرع المطهر .
وقد ذكرنا الحديث السابق بتمامه ، وكلاما مفيدا حول ذلك في جواب السؤال رقم (52467) .
ثالثاً:
هل تظن – أخانا السائل – أنك إن فعلتَ فاحشة الزنى – أعاذك الله منها ، وطهرك من التلبس بها – أنك سترتاح بقضاء تلك الشهوة ؟! إن ظننتَ ذلك فأنت على خطأ عظيم ، بل فعل تلك الفاحشة القبيحة ، بداية لعواقب مريرة على النفس والبدن والدين ، فالزنى يجمع أصول الشر: من قلة الدين ، وذهاب الورع ، وفساد المروءة ، وقلة الغيرة ، والخيانة ، وقلة الحياء ، وعدم المراقبة ، وعدم الأنفة للحرم ، ومن موجباته : غضب الرب ، وسواد الوجه وظلمته ، وظلمة القلب ، وطمس نوره ، وضيقة الصدر وحرجه ، وغير ذلك كثير ، وقد ذكرنا تلك العواقب بتمامها في جواب السؤال رقم ( 20983 ) فانظره ، وقد نقلناها عن الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " روضة المحبين " ( ص 360 - 363 ) .
رابعاً:
دعنا نسألك – أخي السائل – لماذا تصلي وتصوم ؟ إذا كان ذلك – وهذا الظن بك – لأن الله تعالى أوجب عليك الصلاة والصيام وحرَّم عليك تركهما ، فإننا نقول لك كذلك فإن الله تعالى قد أوجب عليك حفظ فرجك ، وحرَّم عليك الزنى ، ولا نشك للحظة أنك تؤمن بأن الله يطلع عليك أثناء صلاتك ، لذلك تكون فيها مطمئناً خاشعاً ، تصلي كما علَّمك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الأمر ، فإن الله تعالى سيكون مطلعاً عليك وأنت ترتكب الفاحشة ! فإذا كان إيمانك برؤية الله لك جعلك تتقن صلاتك ، فإن إيمانك هذا نفسه نظن أنه سيدعوك لعدم فعل فاحشة الزنى ؛ لأننا نظن فيك خيراً ، ونظن أنك تعلم أن هذا ليس هو ما تشكر به ربَّك تعالى ، وقد أنعم عليك بالإسلام ، ورزقك الصحة العافية ، فليس بمثل هذا تُشكر تلك النعم الجليلة .
خامساً:
قد غاب عنك - أخي السائل – أن ما أصابك من شدة وعنت أنك مأجور عليه إن أنت صبرت واحتسبت ، وهذا هو فعل المؤمنين في الضراء ، كما أن فعلهم في السراء هو شكر ربِّهم عز وجل ، وليس يفعل هذا إلا المؤمن ، يصبر في الضراء ويشكر في السرَّاء ، وكل ذلك ستجده - إن شاء الله - أوفر ما يكون من الأجر ، في ميزانك يوم تلقى ربَّك تعالى ، وأنت أحوج ما تكون للحسنة الواحدة .
وانظر جواب السؤال رقم ( 71236 ) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء .
سادساً:
قد غاب عنك – أيضاً – أن ما دعوتَ به لم يضع عليك ، وأنك مخطئ في جزمك بعدم الإجابة ؛ فالاستجابة للدعاء لها أحوال ثلاثة : إما أن يعجِّل الله لك طلبك بعينه ، أو يصرف عنك من السوء بقدر ما دعوته ، أو يؤخر ذلك لك أجوراً في الآخرة تراها عند لقائه ، وأنت ظننتَ أن الاستجابة هي تحقيق طلبك فقط ، فرحت تقول إن الله لم يستجب لك دعاءك ، وهو خطأ بلا ريب ، والعبد في دعائه ربَّه تعالى هو في عبادة جليلة يستشعر فقره وذله لخالقه ، ومن أكثر طرق الشيطان ليقطع العبد الدعاءَ ، هو أن يُدخل إلى قلبه الاستعجال في تحقيق مراده فيستحسر حينئذٍ ويترك الدعاء .
قال ابن بطال - رحمه الله - : " وقال بعضهم : إنما يعجِّل العبد إذا كان غرضه من الدعاء : نيل ما سأل ، وإذا لم ينل ما يريد : ثقل عليه الدعاء ، ويجب أن يكون غرض العبد من الدعاء هو : الدعاء لله ، والسؤال منه ، والافتقار إليه أبداً ، ولا يفارق سمة العبودية ، وعلامة الرق ، والانقياد للأمر ، والنهي " انتهى من " شرح صحيح البخاري " ( 10 / 100 ) .
وانظر في شروط الدعاء المستجاب : جواب السؤال رقم ( 13506 ) .
وانظر في موانع استجابة الدعاء : جواب السؤال رقم : ( 5113 ) .
وانظر في جملة من آداب الدعاء : جواب السؤال رقم : ( 36902 ) .
وانظر في أماكن وأوقات إجابة الدعاء : جواب السؤال رقم : ( 22438 ) .
سابعاً:
كأننا بعد هذا نسمعك تقول " أريد أن لا أزني " ، وهذا هو ظننا بك ، فأنت في الواقع لم تراسلنا لتستأذن منَّا لفعل الفاحشة ولا لنبيح لك فعلها ، وأنت تعلم علم اليقين أننا لا نملك ذلك ، ولو أردت فعل الفاحشة لفعلتَها من غير أن تراسلنا ، فلسنا رقباء عليك ، ولا أنت تحت سلطاننا لستأذننا ، لو أردت فعل ذلك حقا ، ولكننا نجزم أنك أردت أن تشكو لإخوانك بعض ما بك من البلاء ؛ وأردت من إخوانك أن يبذلوا لك النصح والتوجيه والوعظ والإرشاد لئلا تفعل الفاحشة ، وها نحن أولاء نقف معك ، ونصبِّرك على ما ابتلاك الله تعالى به من تأخير الزواج ، ونهنئك على حفظ دينك ونفسك طوال تلك السنوات ، ونظن أنك قادر على حفظهما أكثر من ذلك إذا استعنت بربِّك عز وجل .
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله تعالى وأن تبذل جهداً أكبر في البحث عن زوجة صالحة وأن تصل ما بينك وبين ربك بالطاعات والأعمال الصالحة .
واللهَ نسأل أن يحبِّب إليك الإيمان وأن يزينه في قلبك وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان وأن يجعلك من الراشدين .
ونرجو أن تراجع جواب السؤال رقم (20161) .
والله الموفق