الحمد لله.
ثانياً:
قد وعدناك أن نكون معك صرحاء كما كنتَ معنا كذلك ، فهب أن من وصل به الحال من الشدة والعنت هو " أختك " أو " أمك " – لا قدَّر الله - ورغبت أن تفعل كما تريد أن تفعل أنت ، فما موقفك من هذا الطلب وتلك الرغبة ؟! نحن نعرف إجابتك ولا ننتظرها ، لكننا ننبهك - فقط - إلى شناعة ما تطلب وما ترغب بفعله .
دعك من هذا وانظر لأمر آخر ، كم من الشباب في العالم له الرغبة نفسها في الزنى ، وقد يكون شريفاً – مثلك – ووصل به الحال من العنت والمشقة ما لا يطيقه ، ورغب بالزنى وكانت المرأة المرغوب بالزنى معها " أختك " أو " أمك " – لا قدَّر الله - ، فماذا أنت قائل ؟! ونحن نعرف إجابتك أيضاً ولا ننتظرها منك ، فاعلم أننا لو أبحنا لك فعل تلك الفاحشة فمعناه أننا نبيح لأختك ولأمك فعل الفاحشة نفسها ، ولو أبحنا لك فعل تلك الفاحشة ، فمعناه أننا نبيح للناس فعل الفاحشة في " أختك " و " أمك " ، وهذا ما لا يمكن أن يكون في هذا الشرع المطهر ، فعِرض أختك وأمك مصون بالشرع ، محافَظ عليه بالأحكام الربانية ، ومن يتعدَّى عليه يلقَ وبالاً وعذاباً في الدنيا والآخرة ، أرأيتَ كيف أن الشريعة المطهرة جاءت بالصون والحماية لعرض أهلك فكيف تريد منَّا أن ندنِّس أعراض النساء بأن نقول لك " افعل ولا حرج " !! .
وهذا الذي قلناه لك من المثال قد قاله خير الناس وأشرفهم وأعلمهم بربه تعالى وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قاله لشاب قد جاءه يستأذنه في الزنا ، فقال له " أترضاه لأمك ؟ أترضاه لأختك ؟ فنرجو أن تعي أننا ما أردنا إلا أن نبين لك قبح طلبك وشناعة رغبتك ، فأعراض الناس ليست مستباحة لمن رغب بهتكها ، بل هي مصونة بالشرع المطهر .
وقد ذكرنا الحديث السابق بتمامه ، وكلاما مفيدا حول ذلك في جواب السؤال رقم (52467) .
ثالثاً:
هل تظن – أخانا السائل – أنك إن فعلتَ فاحشة الزنى – أعاذك الله منها ، وطهرك من التلبس بها – أنك سترتاح بقضاء تلك الشهوة ؟! إن ظننتَ ذلك فأنت على خطأ عظيم ، بل فعل تلك الفاحشة القبيحة ، بداية لعواقب مريرة على النفس والبدن والدين ، فالزنى يجمع أصول الشر: من قلة الدين ، وذهاب الورع ، وفساد المروءة ، وقلة الغيرة ، والخيانة ، وقلة الحياء ، وعدم المراقبة ، وعدم الأنفة للحرم ، ومن موجباته : غضب الرب ، وسواد الوجه وظلمته ، وظلمة القلب ، وطمس نوره ، وضيقة الصدر وحرجه ، وغير ذلك كثير ، وقد ذكرنا تلك العواقب بتمامها في جواب السؤال رقم ( 20983 ) فانظره ، وقد نقلناها عن الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " روضة المحبين " ( ص 360 - 363 ) .
رابعاً:
دعنا نسألك – أخي السائل – لماذا تصلي وتصوم ؟ إذا كان ذلك – وهذا الظن بك – لأن الله تعالى أوجب عليك الصلاة والصيام وحرَّم عليك تركهما ، فإننا نقول لك كذلك فإن الله تعالى قد أوجب عليك حفظ فرجك ، وحرَّم عليك الزنى ، ولا نشك للحظة أنك تؤمن بأن الله يطلع عليك أثناء صلاتك ، لذلك تكون فيها مطمئناً خاشعاً ، تصلي كما علَّمك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الأمر ، فإن الله تعالى سيكون مطلعاً عليك وأنت ترتكب الفاحشة ! فإذا كان إيمانك برؤية الله لك جعلك تتقن صلاتك ، فإن إيمانك هذا نفسه نظن أنه سيدعوك لعدم فعل فاحشة الزنى ؛ لأننا نظن فيك خيراً ، ونظن أنك تعلم أن هذا ليس هو ما تشكر به ربَّك تعالى ، وقد أنعم عليك بالإسلام ، ورزقك الصحة العافية ، فليس بمثل هذا تُشكر تلك النعم الجليلة .
خامساً:
قد غاب عنك - أخي السائل – أن ما أصابك من شدة وعنت أنك مأجور عليه إن أنت صبرت واحتسبت ، وهذا هو فعل المؤمنين في الضراء ، كما أن فعلهم في السراء هو شكر ربِّهم عز وجل ، وليس يفعل هذا إلا المؤمن ، يصبر في الضراء ويشكر في السرَّاء ، وكل ذلك ستجده - إن شاء الله - أوفر ما يكون من الأجر ، في ميزانك يوم تلقى ربَّك تعالى ، وأنت أحوج ما تكون للحسنة الواحدة .
وانظر جواب السؤال رقم ( 71236 ) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء .
سادساً:
قد غاب عنك – أيضاً – أن ما دعوتَ به لم يضع عليك ، وأنك مخطئ في جزمك بعدم الإجابة ؛ فالاستجابة للدعاء لها أحوال ثلاثة : إما أن يعجِّل الله لك طلبك بعينه ، أو يصرف عنك من السوء بقدر ما دعوته ، أو يؤخر ذلك لك أجوراً في الآخرة تراها عند لقائه ، وأنت ظننتَ أن الاستجابة هي تحقيق طلبك فقط ، فرحت تقول إن الله لم يستجب لك دعاءك ، وهو خطأ بلا ريب ، والعبد في دعائه ربَّه تعالى هو في عبادة جليلة يستشعر فقره وذله لخالقه ، ومن أكثر طرق الشيطان ليقطع العبد الدعاءَ ، هو أن يُدخل إلى قلبه الاستعجال في تحقيق مراده فيستحسر حينئذٍ ويترك الدعاء .
قال ابن بطال - رحمه الله - : " وقال بعضهم : إنما يعجِّل العبد إذا كان غرضه من الدعاء : نيل ما سأل ، وإذا لم ينل ما يريد : ثقل عليه الدعاء ، ويجب أن يكون غرض العبد من الدعاء هو : الدعاء لله ، والسؤال منه ، والافتقار إليه أبداً ، ولا يفارق سمة العبودية ، وعلامة الرق ، والانقياد للأمر ، والنهي " انتهى من " شرح صحيح البخاري " ( 10 / 100 ) .
وانظر في شروط الدعاء المستجاب : جواب السؤال رقم ( 13506 ) .
وانظر في موانع استجابة الدعاء : جواب السؤال رقم : ( 5113 ) .
وانظر في جملة من آداب الدعاء : جواب السؤال رقم : ( 36902 ) .
وانظر في أماكن وأوقات إجابة الدعاء : جواب السؤال رقم : ( 22438 ) .
سابعاً:
كأننا بعد هذا نسمعك تقول " أريد أن لا أزني " ، وهذا هو ظننا بك ، فأنت في الواقع لم تراسلنا لتستأذن منَّا لفعل الفاحشة ولا لنبيح لك فعلها ، وأنت تعلم علم اليقين أننا لا نملك ذلك ، ولو أردت فعل الفاحشة لفعلتَها من غير أن تراسلنا ، فلسنا رقباء عليك ، ولا أنت تحت سلطاننا لستأذننا ، لو أردت فعل ذلك حقا ، ولكننا نجزم أنك أردت أن تشكو لإخوانك بعض ما بك من البلاء ؛ وأردت من إخوانك أن يبذلوا لك النصح والتوجيه والوعظ والإرشاد لئلا تفعل الفاحشة ، وها نحن أولاء نقف معك ، ونصبِّرك على ما ابتلاك الله تعالى به من تأخير الزواج ، ونهنئك على حفظ دينك ونفسك طوال تلك السنوات ، ونظن أنك قادر على حفظهما أكثر من ذلك إذا استعنت بربِّك عز وجل .
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله تعالى وأن تبذل جهداً أكبر في البحث عن زوجة صالحة وأن تصل ما بينك وبين ربك بالطاعات والأعمال الصالحة .
واللهَ نسأل أن يحبِّب إليك الإيمان وأن يزينه في قلبك وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان وأن يجعلك من الراشدين .
ونرجو أن تراجع جواب السؤال رقم (20161) ورقم (11472) .
والله الموفق