الحمد لله.
وأما أقوال العلماء في ضرورة
حفظ اللسان فكثيرة أيضاً ، نذكر منها :
قال ابن حبان – رحمه الله - : " الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه
التكلم ، فما أكثر من ندم إذا نطق ، وأقل من يندم إذا سكت ، وأطول الناس شقاء
وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاد مطبق " انتهى من " روضة العقلاء ونزهة
الفضلاء " ( ص 43 ) .
وقال – أيضاً - : " الواجب على العاقل أن يُنصف أذنيه من فيه ، ويعلم أنه إنما جعلت
له أذنان وفم واحد ، ليسمع أكثر مما يقول ؛ لأنه إذا قال ربما ندم ، وإن لم يقل لم
يندم ، وهو على رد ما لم يقل ، أقدر منه على رد ما قال ، والكلمة إذا تكلم بها
ملكَتْه ، وإن لم يتكلم بها ملكها ، والعجب ممن يتكلم بالكلمة إن هي رفعت ربما ضرته
، وإن لم ترفع لم تضره ؛ كيف لا يصمت ، ورب كلمة سلبت نعمة " انتهى من " روضة
العقلاء ونزهة الفضلاء " ( ص 45 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن
السعدي – رحمه الله - : " حفظ اللسان عليه المدار ، وهو مِلاك أمر العبد ، فمتى ملك
العبد لسانه ملك جميع أعضائه ، ومتى ملكَه لسانُه فلم يصنه عن الكلام الضار ، فإن
أمره يختل في دينه ودنياه ، فلا يتكلم بكلام إلا قد عرف نفعه في دينه أو دنياه ،
وكل كلام يحتمل أن يكون فيه انتقاد أو اعتذار فليدعه ؛ فإنه إذا تكلم به ملكه
الكلام ، وصار أسيراً له ، وربما أحدث عليه ضرراً لا يتمكن من تلافيه " انتهى من "
بهجة قلوب الأبرار " ( ص 168 ، 169 ) .
ثانياً:
في إطلاق أحدهم على غيره أنه " شيطان " وأنه من " الخوارج " وقفتان :
الأولى : أن قوله " شيطان " سب وشتم ، وهما من المحرَّمات ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ
فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) رواه البخاري ( 5697 ) ومسلم ( 64 ) .
قال النووي - رحمه الله - : " وأما معنى الحديث : فسبُّ المسلم بغير حق : حرامٌ
بإجماع الأمَّة ، وفاعله : فاسق ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من
" شرح مسلم " ( 2 / 53 ، 54 ) .
الثانية : أن قوله عنه إنه من " الخوارج " فيه أنه نسب مخالفَه لفرقة معروفة
بالضلال وللعلماء في تكفيرها قولان مشهوران .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وأما تكفيرهم وتخليدهم : ففيه أيضا
للعلماء قولان مشهوران : وهما روايتان عن أحمد ، والقولان في الخوارج والمارقين من
الحرورية والرافضة ونحوهم ، والصحيح : أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يُعلم
أنها مخالفة لما جاء به الرسول : كفر ، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار
بالمسلمين : هي كفر أيضا ، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع ؛ لكن تكفير
الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار : موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء
موانعه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (28 / 500).
وحتَّى يصح إطلاق لفظ "
خارجي " على أحد فلا بدَّ أن يكون موافقاً لهم في أصل من أصولهم ، ومن أبرزها :
1. الخلل في مسألة الإيمان وعلاقة العمل به ، فهم يرون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص
! ويرون أن آحاد الأعمال الواجبة هو ترك للإيمان كله ! لذا حكموا على تارك الواجب
بالكفر المخرج من الملة ، ومنه انطلقوا إلى القول بكفر فاعل الكبيرة كفراً مخرجاً
من الملة وإذا لقي الله بها من غير توبة أو حدٍّ فهو مخلَّد في نار جهنم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ثم إذا ترك واجباً أو فعل محرَّماً
قالوا بنفوذ الوعيد فيه ، فيوجبون تخليد فسَّاق أهل الملة في النار ، وهذا قول
جمهور المعتزلة والخوارج ، ولكن الخوارج يكفرون بالذنب الكبير - أو الصغير عند
بعضهم - وأما المعتزلة فيقولون : هو في منزلة بين منزلتين لا مؤمن ولا كافر " انتهى
من " مجموع الفتاوى " ( 19 / 151 ) .
2. أنهم يرون السيف على مخالفيهم ، فيرفعونه على أهل الإسلام ، ويتركون أهل الأوثان
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد (
يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ ؛ لَئِنْ
أَدْرَكْتهمْ لَأَقْتُلُهُمْ قَتْلَ عَادٍ ) وهذا نعت سائر الخارجين كالرافضة
ونحوهم ؛ فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون ، أكثر مما يستحلون
من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين ؛ لأن المرتد شر من غيره " انتهى من " مجموع
الفتاوى " ( 28 / 497 ) .
3. أنهم يبالغون في التكفير انطلاقا من اتباع المتشابه في الأدلة الشرعية .
وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه باباً بعنوان : " بَاب قَتْلِ الْخَوَارِجِ
وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى
يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ
اللَّهِ وَقَالَ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ
فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " . انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " فهؤلاء أصل ضلالهم : اعتقادهم في أئمة
الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون وهذا مأخذ الخارجين عن
السنة من الرافضة ونحوهم ، ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً ، ثم يرتبون على
الكفر أحكاماً ابتدعوها ، فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم ،
في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام ، حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية "
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 497 ) .
ونختم بما بدأنا به وهو
الحذر من شتم الناس واتهامهم بما ليس فيهم ، ومن أشد ذلك وصفهم بالخارجية استعداءً
للحكام عليهم وتقرباً بذلك لهم ، ولا يعني هذا خلو الأرض من الخوارج ، لكن مقصودنا
هنا هو الاتهام بالباطل لإخوانه للمسلمين ، لمجرد اختلاف في المنهج ، أو في الرأي
والاجتهاد .
والله أعلم