أنا مثالية وقد أدركت ذلك مؤخراً أن المثاليين هم أكثر تسويفاً بسبب هذه الطبيعة ، وقد جربت ذلك بنفسي أيضاً ، وأود أن أتخلص من التسويف لأنه من الشيطان ، وأنا - والحمد لله - لا أقوم بالتسويف فى الأمور المتعلقة بالدين ، لكني أقوم بذلك في أمور أخرى ، وأود أن تشيروا عليَّ ببعض الاقتراحات التي تمكنني من محاربة المثالية ، وينتج عنها محاربة التسويف . برجاء المساعدة .
الحمد لله.
أولاً:
أن ينشد المسلم المثالية في الأخلاق والعبادات والمعاملات هو أمر حسن ، وسعيه نحو تحقيقها سعي نحو معالي الأمور ، لكنَّ هذه المثالية قد تصطدم بالواقع الذي يعيشه المسلم مما يسبب له إحباطاً ، كما أنه قد تضعف نفسه في بعض الجوانب فيترك الخير كله ، ولذا فليس خير من التوسط في الأمور والسداد فيها ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في قوله ( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا واغْدُوا وَرَوِّحُوا ، وَشِيْءٌ مِنَ الدُّلْجَة ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا ) رواه البخاري ( 6098 ) وانظر شرح الحديث في جواب السؤال رقم ( 70314 ) .
ولذا فمن أعظم ما ينبغي على المسلم فعله حتى يدع المثالية أن يعيش واقعه ، فلا يكون مبالغاً في تحقيق ما قد يعجز عن تحقيقه ، أو يعجز عن الاستمرار فيه ؛ مما يسبب له إحباطات قد تؤدي به إلى ترك السعي نحو الأفضل .
ومما يذكره أهل الاختصاص في علاج حالتك من المثالية :
1. أن تحددي أهدافاً واقعيَّة تقبل التنفيذ من قبَلك ، وأن تتخلي عن المثالية التي تعرقل تنفيذ هذه الأهداف .
2. أن تمتنعي عن مقارنة نفسك بالآخرين ، وأن تقنعي نفسك بأنه لكل واحد من الناس مواهبه الخاصة به وقدراته اللائقة به ، ولعلَّ هذا الأمر أن يكون مهما جدّاً ؛ ذلك أن هناك خطأ في تربية كثير من الأهل لأولادهم في صغرهم ليكونوا مثاليين في نتائجهم الدراسية ، فيحاول الأولاد أن يسعوا لإرضاء أهليهم خوفاً من الفشل ، فتتأصل فيه المثالية مما يسبب له ضيقاً في نفسه عندما يرى الواقع بعقله هو وبعيني نفسه .
3. أن لا تخاف من انتقاد الآخرين عند السعي نحو التغيير وإصلاح نفسك والرجوع بها لأن تعيش في واقعها الحقيقي .
4. وأخيراً : لا بأس من أن تعرضي نفسك على طبيب نفسي مختص من الثقات ، فلعلَّ سماعه منك ، ومباشرتك له بالكلام أن يساهم في حصول علاج شافٍ بإذن الله .
ثانياً:
وأما علاج التسويف – وهو التأخير والمماطلة - فيكون بأمور ، منها :
1. أخذ النفس بالحزم وقوة العزيمة ، ولأن تَتعب النفسُ اليوم لتستريح غداً ، خير لها من أن تستريح اليوم وتتعب غداً .
2. تذكير النفس دوماً بأن التسويف عجز وضعف وخور ، وليس من سمات المسلم العجز والضعف والخور ، بل إن الإنسان إذا كان معتزّاً بإنسانيته فإنه يأبى عليها هذه الأوصاف .
3. دوام الدعاء والضراعة إلى الله - عز وجل - بالتحرر من العجز والكسل .
4. الانسلاخ من صحبة الكسالى والمسوفين والارتماء بين يدي ذوي الحزم والعزم والقوة ؛ فإن ذلك من شأنه أن يحمل على مجاهدة النفس وأخذها بالحزم والعزم والقوة .
5. معايشة السلف في نظرتهم إلى التسويف ونفورهم منه نفوراً شديداً قولاً وفعلاً فكراً وسلوكاً ، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد " .
باختصار من كتاب " آفات على الطريق " للشيخ سيد نوح .
نسأل الله تعالى أن يسددك ويوفقك لما فيه رضاه ، وأن يجعلك من الجادين الطائعين له .
والله أعلم