الحمد لله.
ولكنكِ أخطأتِ في تقديم السّعي والتقصير على الطواف ؛ لأنّ جواز تقديم السعي على الطواف مختصّ بالحجّ دون العمرة ، على الراجح ، ولهذا لم تسع عائشة رضي الله عنها لعمرتها لما حاضت ، والتحلل من الإحرام ، والتقصير من الشعر ، إنما يكون بعد الإتيان بالطواف والسعي جميعا ، وأما قبل ذلك فهو محظور ، وفيه الفدية .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
" والمؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ أتى بالسعي بعد الطواف، فهل يشترط أن يتقدمه طواف؟
الجواب: نعم يشترط ، فلو بدأ بالسعي قبل الطواف : وجب عليه إعادته بعد الطواف ؛ لأنه وقع في غير محله.
فإن قال قائل: ما تقولون فيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل، فقال له رجل: سعيتُ قبل أن أطوف قال: " افعل ولا حرج "؟ فالجواب: أن هذا في الحج وليس في العمرة.
فإن قيل: ما ثبت في الحج ثبت في العمرة إلا بدليل؛ لأن الطواف والسعي في الحج وفي العمرة كليهما ركن؟
فالجواب: أن يقال: إن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الإخلال بالترتيب في العمرة يخل بها تماما؛ لأن العمرة ليس فيها إلا طواف، وسعي، وحلق أو تقصير، والإخلال بالترتيب في الحج لا يؤثر فيه شيئا؛ لأن الحج تفعل فيه خمسة أنساك في يوم واحد، فلا يصح قياس العمرة على الحج في هذا الباب.
ويذكر عن عطاء بن أبي رباح عالم مكة ـ رحمه الله - أنه أجاز تقديم السعي على الطواف في العمرة ، وقال به بعض العلماء.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز مع النسيان أو الجهل، لا مع العلم والذكر" .
انتهى من " الشرح الممتع " (7/ 273).
وقد ذهب الشيخ ابن باز رحمه الله إلى صحة تقديم السعي على الطواف في العمرة كالحج .
قال رحمه الله: " قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع لما سئل عن أعمال يوم النحر من الرمي، والنحر، والحلق أو التقصير، والطواف والسعي، والتقديم والتأخير قال: ( لا حرج ) .
وهذا الجواب المطلق يدخل فيه تقديم السعي على الطواف في الحج والعمرة ، وبه قال جماعة من العلماء ، ويدل عليه ما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أسامة بن شريك، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن قدم السعي على الطواف ، فقال: ( لا حرج ) ، وهذا الجواب يعم سعي الحج والعمرة ، وليس في الأدلة الصحيحة الصريحة ما يمنع ذلك ... لكن يشرع أن يعيده بعد طواف النسك؛ احتياطا، وخروجا من خلاف العلماء، وعملا بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمره.
ويُحمل ما ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله من كون السعي بعد الطواف محل وفاق ، على أن ذلك هو الأفضل ، أما الجواز ففيه الخلاف الذي أشرنا إليه ، وممن صرح بذلك صاحب المغني (3/390) حيث نقل - رحمه الله - تعالى الجواز عن عطاء مطلقا ، وعن إحدى الروايتين عن أحمد في حق الناسي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (17/ 339).
وسئل رحمه الله: " هل يجوز تقديم السعي على الطواف سواء كان في الحج أو في العمرة؟
فأجاب: السنة أن يكون الطواف أولا ، ثم السعي بعده ، فإن سعى قبل الطواف جهلا منه فلا حرج في ذلك ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : ( أنه سأله رجل فقال: سعيت قبل أن أطوف قال: لا حرج ) فدل ذلك على أنه إن قدم السعي أجزأه ، لكن السنة أن يطوف ثم يسعى ، هذا هو السنة في العمرة والحج جميعا " انتهى من "فتاوى ابن باز" (17/ 337).
وعليه : فيعفى عمن قدم السعي على الطواف في العمرة جهلا .
وأما تقديمك التقصير من شعرك على الطواف ، فهذا محظور كما سبق ، لكن لا فدية عليك ؛ للجهل بالحكم ، ويلزمك التقصير من شعرك الآن .
ولو أمكنك الرجوع إلى مكة، والإتيان بالطواف ، ثم السعي بعده ، ثم تتحللين بعد ذلك وتقصرين من شعرك : فهذا أولى وأحوط ، لتتحلي من إحرامك بيقين ، وتأتي بعمرتك على أكمل وجوهها .
وإن لم يمكنك ذلك ، وقصرت من شعرك الآن ، فعمرتك صحيحة إن شاء الله .
والله أعلم.