الحمد لله.
يتعرض كثيرون في أعمالهم وأيامهم إلى مواجهة شرار الناس ، ومقاومة اعتدائهم ، وهم
في ذلك ما بين قوي بقوة الله عز وجل ، وضعيف عن احتمال الأذى والضرر ، والسبب في
ذلك يرجع إلى طباع النفوس التي خلقها الله سبحانه ، وإلى بعض العوامل المتفاوتة ما
بين حالة وأخرى .
وفي سبيل الإعانة على تجاوز أذية الأشرار نقدم بعض النصائح ، ونذكِّر ببعض القضايا
التي نرجو أن تكون سببا في بث الشجاعة في النفوس ، ومن ذلك :
أولا :
تذكَّر أن صلاح الأرض لا يتم إلا بمحاربة الفساد ، ومن أراد فسادا عاما أو خاصا كان
واجبا على كل من علم به مقاومته ما أمكن ، وفي ذلك أجر عظيم ، وثواب جليل من الله
سبحانه ، يقول الله عز وجل : ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ . قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ) الشعراء/10-11.
ثانيا :
وتذكر أنك إن تعرضت للأذى لأمر ديني أو دنيوي فقد ذاق قبلك الأنبياء من ذلك الأذى
الشيء الكثير ، وفي ذلك مواساة لك ولغيرك من الناس ، فلن يكون أحد أحب إلى الله ولا
أقرب إليه من أنبيائه ورسله ، ومع ذلك نالهم من شرار الناس الأذى الكثير ، يقول
الله سبحانه : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ
الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) الفرقان/31.
وفي ذلك أعظم مواساة لكل من يعاني من إجرام المجرمين واعتدائهم ، فذلك ابتلاء جميع
الأنبياء ، منهم من قُتل ، ومنهم من ضرب ، ومنهم من طرد من أرضه ، ومنهم من حورب ،
فكان هديهم الصبر والرضى بقضاء الله ، ومواجهة الإساءة بالإحسان والصفح والغفران .
ثالثا :
استعن بالله عز وجل في شأنك كله ؛ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بدفع ظلم أو أذى أو
فساد في الأرض ؛ فقد كان ذلك حال المؤمنين والمتقين ، التوجه إلى الله سبحانه كي
يقذف في قلوبهم الخوف منه دون مَن سواه من البشر ، يقول الله سبحانه – عن موسى عليه
السلام - : ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) القصص/21.
ويقول عزوجل : ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .
وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) يونس/84-86.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أي : لا تُظفرهم بنا ، وتسلطهم علينا ، فيظنوا أنهم إنما سلطوا لأنهم على الحق
ونحن على الباطل... وقال ابن أبي نجيح وغير واحد عن مجاهد : لا تعذبنا بأيدي قوم
فرعون ، ولا بعذاب من عندك " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (4/288)
رابعا :
من أعظم ما يعين على مواجهة المصاعب والمتاعب التوكل على الله ، وذلك يعني أن تفوض
أمرك له سبحانه ، ولو تصورت أن مسؤولا كبيرا طمأنك ووعدك بكف ظلم مديرك عنك لانبعث
في قلبك من الطمأنينة والسكينة ما تقر به عينك ، فمن باب أولى أن يكون هذا حالك
عندما تكل أمرك لله سبحانه ، وفي ذلك يقو جل وعلا : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ
مُسْلِمِينَ . فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) يونس/84-85. ويقول سبحانه
وتعالى : ( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ )
الجاثية/19.
خامسا :
لا تستجب لوساوس الشيطان الذي يدعوك لترك التوبة بحجة عدم الإخلاص فيها ، فذلك من
أعظم مداخل الشيطان على العباد ، يدعوهم لترك الأعمال الصالحات من التوبة والعبادة
والأخلاق الفاضلة خوفا من أن تشوبها شوائب السمعة والرياء والعجب وغيرها ، وقد قال
الفضيل بن عياض رحمه الله : " تَرْكُ العمل لأجل الناس رياء " انتهى من " الأذكار "
(ص/9)
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :
" ما دمتَ تجد باعثا دينيا على العمل فلا تترك العمل ، وجاهد خاطر الرياء ، وألزِمْ
قلبك الحياء من الله إذا دعتك نفسك إلى أن تستبدل بحمده حمد المخلوقين ، وهو مطَّلع
على قلبك ، ولو اطلع الخلق على قلبك وأنك تريد حمدهم لَمَقَتوك ، بل إن قدرت على أن
تزيد في العمل حياء من ربك وعقوبة لنفسك فافعل .
فإن قال لك الشيطان : أنت مُراءٍ . فاعلم كذبَه وخداعه بما تصادف في قلبك مِن كراهة
الرياء وإبائه ، وخوفك منه ، وحيائك من الله تعالى " انتهى من " إحياء علوم الدين "
(3/323)
سادسا :
من النصائح المهمة في هذا الأمر ونحوه : التباعد عن ذكر ذلك الشخص ، والتشاغل عن
تهديده ووعيده ، فَذِكْرُه لن يعود عليك إلا بالقلق والترقب ، فينال منك وهو على
فراشه ، وذلك من نوازع النفس التي يجب على كل الناس مقاومتها ، فلا يرخي لها حبل
الوساوس المخيفة ، ولا يسترسل معها في تصديق كل تهديد أو التفكير بكل وعيد ، وإلا
عاش في خوف ونكد ، وضاق عليه صدره ، في حين أن الأمر أيسر من ذلك ، والحياة مليئة
بالمشاغل النافعة والأعمال الطيبة التي تكفي أن تشغلك عن شؤونك الخاصة ، فكيف بشؤون
من يطلق التهديد والوعيد .
سابعا :
من الآداب التي يغفل عنها كثير من الناس ، ملازمة الذكر الذي حرص عليه النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه عندما خوَّفهم الناس وهددوهم بما يخطط له الكفار والمشركون
، فقالوا كلمة عظيمة " حسبنا الله ونعم الوكيل " فكفاهم الله ما أهمهم .
يقول سبحانه وتعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ
يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ .
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/173-175.
وللمزيد يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: (160583)، (161597)، كما نوصيك بالاطلاع على
الفتوى رقم: (8621) ففيها تنبيه على خطأ ما ورد في سؤالك عندما قلت : " شاءت
الأقدار "، والصواب أن تقول : " كانت مشيئة الله ".
والله أعلم .