حكم فرض أهل الزوجة على الزوج دفع أموال لهم عند العقد وبعد الزواج

04-11-2012

السؤال 182926


قال تعالى في سورة القصص على لسان شعيب : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) القصص/27 . جرت العادة في بعض المجتمعات الإسلامية الآسيوية أن يفرضوا أموالاً هائلة على العريس عند تزويج بناتهم ، ويستدلون بهذه الآية ! بل يتطور الأمر بهم إلى أن يطالبوا زوج البنت بأن يساعدهم مالياً من حين لآخر ، دون مراعاة لوضعه المالي ، فإن امتنع أخذوا البنت وطلبوا منه تطليقها ، ثم يقومون باختلاق بعض القصص على أنه كان سيئًا ، وأنه لم يصن ابنتهم .. الخ . وكل هذه الأمور تقود في المجمل العام إلى مشاكل اجتماعية خطيرة ، كالقتل ، والطلاق ، واللجوء إلى المحاكم . ولحل هذه النزعات فقد قمت بوضع قائمة بمن ينبغي على الزوج النفقة عليهم ( عند وجود مال فائض لديه ) ، فبدأت بزوجه وأولاده ، ثم أبويه ، ثم قرابته من جهة أبيه ، ثم أهل زوجته ، لقد وضعت أهل الزوجة في آخر القائمة ، ولكن هذا لم يَرُق للبعض منهم ! وقالوا إن الشرع لم يضع ترتيباً كهذا !


فما نصيحتكم ، وما المقصود بقوله تعالى : ( على أن تأجرني ثماني حجج ) ؟

الجواب

الحمد لله.


فقه الشريعة يبنى على السنن المتواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي يخاطب فيها أمته ، ويرشدهم بها إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم ، ولا يبنى على حوادث أعيان لها ظروفها الخاصة أو شرائعها المستقلة التي يتمسك بها بعض الناس ، ويعارضون بها الأدلة الصريحة الواردة في سياقها التشريعي العام .
هكذا يظهر لنا أن فئاما من الناس حرفوا مسألة " مغالاة المهور " عن مسارها ، فأعرضوا عن جميع الأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على تيسير المهر ، والتخفيف فيه ، وحث الأولياء على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، ولجؤوا إلى قصة زواج موسى عليه السلام من ابنة شعيب ، وقوله سبحانه : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) القصص/27.
جاء في " تفسير السعدي " (ص614) : " أي : تصير أجيرا عندي ( ثَمَانِيَ حِجَجٍ ) أي : ثماني سنين " انتهى.
وغاية ما تدل عليه هذه الآية – كما يقول الفقهاء – جواز أن يشترط الولي لنفسه شيئا عند تزويج ابنته ، كما هو مذهب الحنابلة ، وقد سبق بيانه في الفتوى رقم : (2491) .
سئل الإمام أحمد رحمه الله :
إذا زوج الرجل ابنته أو أخته واشترط لنفسه شيئاً ؟
قال : لا يجوز لغير الأب .
قلت : لأن يد الأب مبسوطة في مال ولده يأخذ ما شاء ؟
قال : نعم .
قال إسحاق : هو كما قال ، ولا يجوز لغير الأب أن يشترط لنفسه شيئاً " انتهى من " مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه " (4/1527)

ومع ذلك فقد سبق في موقعنا ترجيح مذهب الشافعية الذين قالوا بعدم جواز أن يشترط الأب أو غيره لنفسه شيئا ، وذلك في الفتوى رقم : (140036) .
وقد روى ابن أبي شيبة في " المصنف " (3/327) قال : " حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي أن رجلا زوَّج ابنته على ألف دينار ، وشرط لنفسه ألف دينار ، فقضى عمر بن عبد العزيز للمرأة بألفين دون الأب " .

وعلى فرض الأخذ بقول الحنابلة ، فحكم الجواز لا يعني تغيير السنة النبوية بتيسير المهور وتجنب المغالاة فيها ، فسنة النبي صلى الله عليه وسلم تبقى هي الأصل ، ولا تعارض بحادث عين وقع في شرائع الأنبياء الماضية يحتمل التأويل،. ولمعرفة الأدلة الواردة في استحباب تقليل المهور يرجى النظر في الفتاوى : (10525) ، (12572) .

هذا فضلا عن أن مطالبة عَصَبة الزوجة نفقةً خاصة يدفعها الزوج لهم ، أو مساعدات مالية على وجه الإلزام أو الاستحياء ، كله من السحت والمال الحرام الذي حرَّمه الله ورسوله ، فقد قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29.
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ) رواه مسلم (1218) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
بل عد فقهاء الحنفية ما يؤخذ على هذا الوجه إلزاما لدرء الشر والأذى رشوة محرمة ، كما جاء في "رد المحتار" (3/156): " إن أبى أن يسلِّمَها أخوها أو نحوه حتى يأخذ شيئا ، وكذا لو أبى أن يزوجها ، فللزوج الاسترداد ، قائما أو هالكا ؛ لأنه رشوة " انتهى.

وهكذا لم يقل أحد من العلماء إن نفقة الزوج على أهل زوجته واجبة عليه من قريب ولا من بعيد ، وليس لهم مدخل أصلا فيمن تجب عليه نفقتهم ؛ ولم يرد ذلك في كتب السنة والفقه والآثار ، فالصواب أن تحذفهم من القائمة التي أعددتها ، وأما جعلهم آخر القائمة ففيه منحهم حقا ليس لهم ، وذلك من الظلم البين .
وأما الإحسان إلى الخلق ، والتطوع بإطعام المحتاج ومعونته ، فهذا باب آخر ، سوى ما يتحدث عنه هؤلاء الناس ، ولا مدخل في مثل ذلك للمطالبة ، ولا إلزام بأحد بما لم يلزمه به الشرع .

فليتق الله أولئك الذين يسعون في خراب بيوت بناتهم وأخواتهم ، ويسعون في سبيل قطع الطريق على سعادتهن وهنائهن مع أزواجهن ، وليعلموا أن الله عز وجل مطلع عليهم ، وسيحاسبهم حساب الظالمين الذين لا يرقبون رحمة ولا شفقة ، ولا يرعون حرمة ولا حقا .
والله أعلم .

الصداق
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب