الحمد لله.
إن الناس لا يمكنهم العيش في أمن وأمان بلا دين ، فإن الناس كالسفينة السائرة في
البحر وإن الدين هو القبطان الذي يقودها إلى ما ينفعها ، فلا بد للناس من دين
يتدينون به ، وإلا أكل بعضهم بعضاً ، وإن خير الأديان وخاتمها وأفضلها هو الإسلام .
ونحن ندعوك إلى التأمل في حال المسلمين ، في عاداتهم وشؤونهم وأخلاقهم ، وتقارنها
بغيرهم من الأديان الأخرى ، يتضح لك الجواب إن شاء الله .
أو اسأل هذا أو ذاك ممن عاشوا في كنف الحضارات ، وأرقاها ولم يجدوا بُغيتهم إلا
بالإسلام ، ولذلك تجدهم أشد الناس تمسكا لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان بعد أن عاشوا
مرارة الكفر .
وانظر جواب السؤال رقم (
14055 ) .
ثانياً:
أما التحدي القرآني للفصحاء والبلغاء بأن يأتوا بمثل هذا القرآن فهو تحد للمتقدمين
والمتأخرين ، وقد عجز كبار العرب وبلغاؤهم أن يأتوا بآية من مثله ، وإن التحدي ما
يزال قائماً منذ أنزل الله تعالى هذه الآيات ، وكم خرج من صلب العرب شعراء وأدباء
ولم يستطيعوا الإتيان بسورة من مثله ولا عشر آيات ، نعم ، لقد حاول بعضهم كتابة شيء
كالقرآن فصار سخرية للناس وأضحوكة .
وسنرجع معك مرة أخرى إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة لنسمعك اعترافات بعض فصحاء
العرب وشعرائهم وأسيادهم في القرآن الكريم أسلوباً وبياناً ، ومنهم : أبو الوليد
عتبة بن ربيعة ، والشاعر أنيْس الغفاري ، وقد ذكرنا شهادتهما في القرآن في جواب
السؤال رقم ( 114028 ) .
وهذه بعض شهادات المنصفين للقرآن من المعاصرين :
1. يقول إبراهيم خليل – وكان من كبار القساوسة ثم هداه الله للإسلام - : " أعتقد
يقيناً أني لو كنت إنساناً وجوديّاً لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية ، وجاءني
نفر من الناس ، وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه : لآمنت برب
العزة والجبروت خالق السماوات والأرض ولن أشرك به أحداً " انتهى .
2. وقال ريجيس بلاشير – مستشرق فرنسي - : " إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه
فقط ، إنه أيضاً يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة تسمو على جميع ما
أقرته الإنسانية وبجلته من التحف ، إن الخليفة المقبل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه
- المعارض الفظ في البداية للدين الجديد ، قد غدا من أشد المتحمسين لنصرة الدين عقب
سماعه لمقطع من القرآن ، وسنورد الحديث فيما بعد عن مقدار الافتتان الشفهي بالنص
القرآني بعد أن رتله المؤمنون " انتهى .
3. وقالت بوتر – أمريكية دخلت الإسلام بعد اقتناع عميق به - : " عندما أكملت قراءة
القرآن الكريم غمرني شعور بأن هذا هو الحق الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول
مسائل الخلق وغيرها ، وإنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية ، نجدها متناقضة مع
بعضها في غيره من الكتب الدينية ، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع
لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة "
انتهى .
4. قال موريس بوكاي – عالم فرنسي شهير أسلم بعد دراسة للأديان متعمقة - : " لقد قمت
أولاً بدراسة القرآن الكريم ، وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة ، بحثاً عن درجة
اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ، وكنت أعرف قبل هذه الدراسة ، وعن طريق
الترجمات ، أن القرآن يذكر أنواعاً كثيرة من الظاهرات الطبيعية ، لكن معرفتي كانت
وجيزة ، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي ، استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد
الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في
العصر الحديث ، وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل ، أما
بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول أي : "
سِفر التكوين " فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم
رسوخاً في عصرنا ، وأما بالنسبة للأناجيل فإننا نجد نص إنجيل " متى " يناقض بشكل
جلي إنجيل " لوقا " ، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف
الحديثة الخاصة بقدَم الإنسان على الأرض " انتهى .
5. وقال فيليب حتي- لبناني نصراني - : " إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره ، ثم إنه لا
يقبل المقارنة بأسلوب آخر ، ولا يمكن أن يقلَّد ، وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن ،
فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى " انتهى .
وقد نقلنا هذا كله من كتاب " الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن
الرابع عشر الهجري " ( ص 156 – 159 ) للشيخ عبد المحسن بن زبن المطيري وفقه الله .
أما وجوه الإعجاز في القرآن الكريم فكثيرة ، وقد ذكرها القاضي عياض في كتابه "
الشفا " - واختصر كلامه السيوطي في " الإتقان " فقال – رحمه الله - : " وقال القاضي
عياض في " الشفا " : اعلم أن القرآن منطوٍ على وجوه من الإعجاز كثيرة ، وتحصيلها من
جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه :
أولها : حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب
الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن .
الثاني : صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج
نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم
يوجد قبله ولا بعده نظيراً له .
قال :
وكل واحد من هذين النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها والأسلوب الغريب بذاته نوع إعجاز
على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما إذ كل واحد خارج عن قدرتها
مباين لفصاحتها وكلامها خلافاً لمن زعم أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب .
الوجه الثالث : ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد .
الرابع : ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الداثرة مما
كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم
ذلك فيورده على وجهه ويأتي به على نصه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب .
قال :
فهذه الوجوه الأربعة من إعجازه بيِّنه لا نزاع فيها ( ولا مرية ) " .
انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 4 / 18 ، 19 ) وانظر " الشفا " للقاضي عياض
( 1 / 258 – 272 ) .
والله أعلم