هل يباح الكذب للتخفيف عن المريض وإدخال السرور عليه ؟
أختي لديها إعاقة ذهنية وحركية ، لكنها تفهم كل شيء يقال ، ولكنها لا تقدر على التكلم كثيرًا ، فتعبر بلغتها طول الوقت ، أحاول أفرحها ، بس أحيانا بالكذب عليها ، مثلا كل لما أشوف أحد يسألني عليكِ ، وأحيانا أحكي لها حاجات تفرحها ، ولكن قدر منها من تأليفي ، ولما أمي تخرج أكذب عليها وأقول : إن أمي نائمة حتى لا تبكي ، أنا لا أريد أن أحسسها بمرضها أو أنها مختلفة عن أي أحد .
ولكني لا أدري هل طريقتي خطأ ؟
وذاك لأني أكذب عليها ، وأن الله سوف يحاسبني على ذلك بالذنوب ، أنا لا أقصد الكذب ، ولكني أحاول أن لا أجعلها حزينة .
الجواب
الحمد لله.
الأصل في الكذب أنه حرام ، ولا يباح إلا في حالات خاصة بينتها الشريعة ، تحقيقا
للمصلحة العظيمة أو دفعا للمضرة ، وتجدين هذه الحالات في جواب السؤال رقم : (47564).
ولكن ينبغي عدم التهاون في شأن الكذب مع دعوى أنه لدفع مفسدة ، بل لا بد من
الموازنة الصحيحة ، بين المصالح والمفاسد.
وإن كان شفاء المريض وإدخال السرور عليه فيه مصلحة كبيرة ، إلا أن الكذب عظيم ،
وذنبه كبير ، وفي المعاريض مندوحة عنه ، فمن استطاع أن يستغني عن الكذب باستعمال
التورية والمعاريض : فلا شك أنه أولى وأفضل ، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
" إن في معاريض الكلام ما يغني الرجل عن الكذب" رواه البيهقي في " السنن الكبرى "
(10/199) ، وقال البخاري رحمه الله في صحيحه : " باب المعاريض مندوحة عن الكذب ،
وقال إسحاق : سمعت أنسا : مات ابن لأبي طلحة ، فقال : كيف الغلام ؟ قالت أم سليم :
هدأ نَفَسُه ، وأرجو أن يكون قد استراح . وظن أنها صادقة " .
ومعنى المعاريض : أي الكلام الذي يظنه السامع شيئاً ويقصد المتكلم شيئاً آخر.
قال الحافظ ابن حجر : " وشاهد الترجمة منه قول أم سليم : (هدأ نَفَسُه ، وأرجو أن
قد استراح) ؛ فإن أبا طلحة فهم من ذلك أن الصبي المريض تعافى ؛ لأن قولها : هدأ ،
بمعنى سكن . والنفَس مشعر بالنوم ، والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته ،
وأرادت هي أنه انقطع بالكلية بالموت ، وذلك قولها : وأرجو أنه استراح . فهم منه أنه
استراح من المرض بالعافية ، ومرادها أنه استراح من نكد الدنيا وألم المرض ، فهي
صادقة باعتبار مرادها ، وخبرُها بذلك غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة ، فمن
ثَمَّ قال الراوي : وظن أنها صادقة ، أي باعتبار ما فهم" انتهى من "فتح الباري"
(10/594).
وقال ابن قتيبة رحمه الله : " فمن المعاريض قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم
في امرأته: إنها أختي ، يريد أن المؤمنين إخوة " انتهى من " تأويل مختلف الحديث " ص
35 .
وعليه: فتستطيعين استخدام المعاريض مع أختك المريضة ، فتفهم هي من كلامك شيئًا ،
وأنت تريدين شيئًا آخر ، فمثلاً : إن سألتك عن أمك ، تقولين : موجودة . فتفهم هي
أنها في البيت ، وأنت تقصدين - مثلاً - أنها موجودة في الدنيا ، وما شابه ذلك ،
وهذا إن كان قول الحقيقة سيؤثر على مرضها سلبًا ، أما إن لم يكن يؤثر عليها فلا
تلجئي للمعاريض حينئذ ، ويجب عليك قول الصدق.
كما يمكنك أن تقصي عليها بعض القصص الطريفة أو تحضري لها بعض الألعاب المسلية
المفيدة ، وما شابه ذلك .
ونسأل الله تعالى أن يشفي أختك ويعافيها عاجلا غير آجل .
والله أعلم .