هناك أناس يعملون في تركيب عقاقير طبية وأعشاب ، دون دراسة ودراية يركبونها كيفما اتفقت ، ثم يبيعونها على أنها علاج لمرض السرطان ، أو السكر ، أو غير ذلك . وقد ثبت أن أناسا تعاطوا مثل هذه الأدوية فحصلت لهم مضاعفات خطيرة ، وبعضهم توفي بسبب هذه العقاقير . سؤالي : ألا يدخل أمثال هؤلاء الذين يمتهنون مهنة الصيدلة والطب بدون دراسة ودراية ، وقيامهم بتعريض حياة الناس للخطر والموت في قوله تعالى : ( ويسعون في الأرض فسادا ......) ، وقوله تعالى : ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ).
نريد الحكم الشرعي في هؤلاء .
الحمد لله.
أولا :
قول الله تعالى : ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) المائدة/ 32 .
المقصود به : قتل النفس التي حرمها الله ، قال سعيد بن جبير في قوله: ( فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) : من استحل دمَ مُسْلِم فكأنما استحل دماء الناس جميعًا ، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعًا .
وقال مجاهد : من قتل النفس المؤمنة متعمدا ، جعل الله جزاءه جهنم ، وغضب الله عليه ولعنه ، وأعد له عذابًا عظيمًا ، يقول: لو قتل الناس جميعًا لم يزد على مثل ذلك العذاب .
"تفسير ابن كثير" (3 /93).
وقال السعدي رحمه الله :
" لأنه ليس معه داع يدعوه إلى التبين ، وأنه لا يقدم على القتل إلا بحق ؛ فلما تجرأ على قتل النفس التي لم تستحق القتل ، علم أنه لا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره ، وإنما ذلك بحسب ما تدعوه إليه نفسه الأمارة بالسوء ، فتجرؤه على قتله ، كأنه قتل الناس جميعا " .
انتهى من "تفسير السعدي" (ص 229) ، وينظر : "الجواب الكافي" لابن القيم (ص 103) .
وأما قول الله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) المائدة/ 33 .
فمع أن ما يفعله هؤلاء الجهال وأمثالهم هو من الفساد في الأرض ، بل هكذا كل معصية لله تعالى : هي من الفساد في الأرض ، والإفساد لها ؛ إلا أن لهذه الآية شأنا وحكما آخر ، لا تعلق له بموضع السؤال ؛ لأن أصحاب هذه الآية هم الذين يريدون الفساد عن قصد ونية ، ويسعون به في الأرض لخرابها ودمارها وإهلاك الحرث والنسل وتخويف الآمنين .
ثم إن الآية تتحدث عن صنف خاص ـ أيضا ـ من البغاة والمفسدين في الأرض ، فليس كل من أفسد في الأرض عن عمد ، أو اعتدى على الآخرين ، داخلا في حكم هذه الآية .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" المحاربون لله ولرسوله، هم الذين بارزوه بالعداوة ، وأفسدوا في الأرض بالكفر والقتل ، وأخذ الأموال ، وإخافة السبل .
والمشهور أن هذه الآية الكريمة في أحكام قُطَّاع الطريق ، الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي ، فيغصبونهم أموالهم ، ويقتلونهم ، ويخيفونهم ، فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها، فتنقطع بذلك .
فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم -عند إقامة الحد عليهم- أن يفعل بهم واحد من هذه الأمور " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 229) .
ثانيا :
الذي ذكرته من تكلف هذا الشخص وصف أدوية عشبية وعقاقير للمرضى ، إن لم يكن خبيرا بما يفعل ، ولم يعلم أنه من أهل العلم بهذا الباب ؛ إذا تسبب بجهله هذا في هلاك نفس ، لزمته الدية ، أو أرش الجناية التي جناها على غيره بجهله وعدوانه ؛ إلا أنه رغم ذلك ليس قاتل عمد ، كالذي ذكرته الآية ، ولا يلزمه القصاص بذلك .
قال الخطابي رحمه الله :
" لا أعلم خلافاً في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً ، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعدٍّ ، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية ، وسقط عنه القَوَد – يعني القصاص - لأنه لا يستبِد بذلك دون إذن المريض " انتهى من "معالم السنن" (4/ 39) .
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (114047) ، (129551) .
والله تعالى أعلم .