الحمد لله.
ثانيا :
تتحدد الرؤيا المنامية باعتبار مواصفاتها على ما تقدم ذكره ، وليس باعتبار وقتها ،
فربما رأى العبد قبل أن يقوم لصلاة الفجر ما يكرهه من تهويل الشيطان وإزعاجه ، فهذا
من الشيطان وإن وقع قبل الفجر .
وربما رأى ما يسره بعد أن صلى الفجر ونام ، فهذا من الله وإن وقع بعد الفجر .
فلا تتحدد الرؤيا بالوقت ، وإنما تتحدد بالوصف ، ولا فرق بين رؤيا الليل والنهار .
قال البخاري رحمه الله في صحيحه (9/34) :
" باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ . وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ :
رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ " ثم روى عن أنس بن مالك قال : "
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ
مِلْحَانَ ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا
يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ ، وَجَعَلَتْ تَفْلِى رَأْسَهُ ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ ،
قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( نَاسٌ مِنْ
أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ ، غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ
هَذَا الْبَحْرِ ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ ) - أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى
الأَسِرَّةِ ) ، قَالَتْ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ
وَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ ، فَقُلْتُ : مَا يُضْحِكُكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَي ، غُزَاةً فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ) . كَمَا قَالَ فِي الأُولَى ، قَالَتْ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : ( أَنْتِ مِنَ
الأَوَّلِينَ ) .
وقد رواه مسلم (1912) ولفظه : ( أتانا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال عندنا ،
فاستيقظ وهو يضحك ... ) فذكرت الحديث .
وعند أحمد (27077) : ( بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَائِلًا فِي بَيْتِيي .. ) ومعني ذلك : أنه كان ذلك في نوم القيلولة ، وهو نوم نصف
النهار .
قال الحافظ ابن حجر رحمه
الله :
" قال القيرواني : ولا فرق في حكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار ، وكذا رؤيا
النساء والرجال " انتهى .
وقال المهلب : " لا يخص نوم النهار على نوم الليل ، ولا نوم الليل على نوم النهار
بشيء من صحة الرؤيا وكذبها ، وأن الرؤيا متى أُريت فحكمها واحد " .
انتهى من"شرح صحيح البخاري" - لابن بطال (9 /528) .
وأما حديث سَمُرَةَ بْنِ
جُنْدَبٍ الذي رواه البخاري (1386) قَالَ : " كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم
إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : ( مَنْ رَأَى
مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا ؟ ) " .
وعند الترمذي (2294) : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى بنا الصبح أقبل على
الناس بوجهه وقال : ( هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ؟ ) " .
وعن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة
يقول : (هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ؟ ) " . رواه أبو داود (5017) وصححه الألباني.
فهذا لأن الليل هو مظنة الرؤيا ؛ لأنه وقت النوم ، وغالب رؤى الناس تكون بالليل .
وينظر : جواب السؤال رقم : (25768) لمعرفة أهم الآداب المتعلقة بالرؤى والأحلام .
والله تعالى أعلم .