- هل هناك علامات قبل وفاة الإنسان سواء كان مؤمنا أو كافرا ؟ وهل للعلامات أوقات محدده ؟ - وإذا تبين له أن أجله قريب ماذا يفعل ؟ ولما نتلقى هذه العلامات إذا كانت موجودة ؟ - وهل هناك طريقة لتخفيف سكرات الموت ؟ - وما أفضل الأعمال الصالحة التي ينصح التمسك بها ؟
الحمد لله.
أولا :
لا يعلم أحد من الناس على وجه التحديد متى يموت ، ولا بأي أرض يموت ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان/ 34 .
راجع إجابة السؤال رقم : (100451) ، (180876) .
ثانيا :
ليست هناك علامات معينة يتعرف بها الإنسان على قرب أجله وانقضاء عمره ، وهذا من رحمة الله بعباده ، فإن الإنسان إذا علم متى يكون أجله ، وعلم أن التوبة تكفر ما قبلها من الخطايا ، ربما انغمس في الذنوب ، وارتكس في الآثام ، ومنى نفسه أنه قبل موته بساعة من نهار : تاب وأقلع ، ومثل هذا لا يصلح أن يكون عبدا لله ؛ بل هو عابد لهواه .
بخلاف الواقع الذي لا يدري معه الإنسان متى يموت ، فالعاقل يتدارك ما فاته سريعا ويبادر بالتوبة والعمل الصالح ، فإنه لا يدري متى يكون انقضاء أجله ، ولا يزال على ذلك حتى يتوفاه الله ، ومثل هذا حري أن يكون عبدا صالحا محبا لطاعة الله نافرا من معصية الله .
إلا أن هناك بعض العلامات التي قد تدل على دنو أجل العبد ، كإصابته بمرض خطير لا يكاد يسلم منه الناس عادة ، وكذا بلوغه أرذل العمر ، وتعرضه لحادث مهلك ونحو ذلك من الأمور القدرية .
ثالثا :
تقدم في إجابة السؤال رقم : (184737) ذكر العلامات التي تدل على صلاح العبد عند موته ، والعلامات التي تدل على سوئه .
رابعا :
متى أحس العبد بدنو أجله لمرضه الشديد ونحو ذلك ؛ فالواجب عليه أن يتدارك أمره بالتوبة إلى الله ورد المظالم إلى أهلها والتحلل منهم ، والمسارعة في العمل الصالح والجد في الرغبة إلى الله والتفرغ لطاعته ، وطلب الإحسان منه بالعفو والمغفرة ، مع وافر حسن الظن به سبحانه ، والثقة في عظيم كرمه وواسع رحمته ، وأنه لا يخيب ظن عبد ظن به خيرا .
وقد روى مسلم (2877) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ : " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ، يَقُولُ: ( لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ ) " .
وكذلك الإكثار من مكفرات الذنوب وماحيات الآثام من الاستغفار والمحافظة على الوضوء والصلاة والحج والعمرة ونحو ذلك .
خامسا :
سكرات الموت آخر شدة يلقاها العبد قبل لقاء الله ، وسكرات الموت هي آخر ما يكفر الله به عن عبده ، نسأل الله أن يخفف عنا هذه السكرات وأن يعيننا عليها .
روى البخاري (4449) عن عَائِشَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي تُوُفِّيَ فِيه جَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، يَقُولُ : ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ) ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : ( فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى ) حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ " .
وروى الترمذي (978) عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّهَا قَالَتْ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالمَوْتِ ، وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ ، وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي القَدَحِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالمَاءِ ، ثُمَّ يَقُولُ : (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ المَوْتِ أَوْ سَكَرَاتِ المَوْتِ) .
حسنه الحافظ في "الفتح" (11/362) وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل تخفف صعوبة سكرات الموت من الذنوب ، وكذلك المرض الذي يسبق الموت هل يخفف من الذنوب ؟
فأجاب :
" كل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو هم أو غم ، حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه ، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به ، ولا فرق في ذلك بين ما يكون في الموت وما يكون قبله " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (24/ 2) بترقيم الشاملة .
ومع شدة الموت وسكرته ، فإن ما يلقاه المؤمن من البشارة والتثبيت عند موته ؛ مما يهون عليه ما يلقى ، ويشوقه إلى ما بعده من لقاء الله .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الْمَيِّت لَا يَعْدُو أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ : إِمَّا مُسْتَرِيحٌ وَإِمَّا مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُشَدَّدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَأَنْ يُخَفَّفَ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِتَقْوَاهُ وَلَا بِفُجُورِهِ ، بَلْ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى ازْدَادَ ثَوَابًا ، وَإِلَّا فَيُكَفَّرُ عَنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَسْتَرِيحُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا الَّذِي هَذَا خَاتِمَتُهُ ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : مَا أُحِبُّ أَنْ يُهَوَّنَ عَلَيَّ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ ، إِنَّهُ لَآخِرُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَالَّذِي يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْبُشْرَى ، وَمَسَرَّةِ الْمَلَائِكَةِ بِلِقَائِهِ ، وَرِفْقِهِمْ بِهِ ، وَفَرَحِهِ بِلِقَاءِ رَبِّهِ : يُهَوِّنُ عَلَيْهِ كُلَّ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ ، حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ " انتهى من "فتح الباري" (11/ 365) .
راجع إجابة السؤال رقم : (135314) .
ولا نعلم طريقة تخفف من سكرات الموت ، إلا أن يفزع العبد إلى ربه في ذلك ، ويدعو به في العسر واليسر ، ولعلنا أن نفعل مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، حيث كان يدخل يديه في الماء ثم يمسح بهما وجهه ويسأل الله أن يعينه على سكرات الموت - كما تقدم - .
على أن بعض السلف كانوا يرون في هذه الشدة الرحمة كما تقدم عن عمر بن عبد العزيز ، وروى عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص388) عن إبراهيم النخعي قال : " كانوا يستحبون للمريض أن يجهد عند الموت " وعن منصور : " أن إبراهيم كان يحب شدة النزع ".
ولا نعلم أحدا ينجو من هذه الشدة إلا الشهيد ، فقد روى الإمام أحمد (7953) ، والترمذي (1668) وصححه ، والنسائي (3161) ، وابن ماجة (2802) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " وغيره .
قال المناوي رحمه الله :
" يعني أنه تعالى يهون عليه الموت ويكفيه سكراته وكربه ، بل رب شهيد يتلذذ ببذل نفسه في سبيل الله طيبة بها نفسه ؛ كقول خبيب الأنصاري حين قتل:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ** علي أي شق كان لله مصرعي "
انتهى من " فيض القدير" (4/ 182) .
سادسا :
الأعمال الصالحة هي كل ما أمر به الشارع وحض عليه وندب إليه ، وبعضها أفضل من بعض ، ومن أفضل الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد من ربه ، وينصح المسلم بالمداومة عليها : كثرة ذكر الله وتلاوة القرآن وبر الوالدين وصلة الرحم والحج والعمرة وصلاة الليل وصدقة السر وحسن الخلق وإفشاء السلام وإطعام الطعام وصدق الحديث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحب الخير للناس وكف الأذى عنهم والتعاون على البر والتقوى والإصلاح بين الناس ونحو ذلك من أعمال البر .
وراجع للمزيد إجابة السؤال رقم : (26242) .
وننصح الأخت السائلة أن تجعل من ذكر الموت وشدته ما يحثها على تقوى الله والعمل الصالح ؛ فإن العبد إذا اتقى الله وأحسن العمل يسر الله عليه كل عسير ، وفرج عنه كل هم ، وكشف عنه كل شدة .
ينظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (8829) .
والله أعلم .