الحمد لله.
لا يجوز للمرأة أن تحادث رجلا أجنبيا عنها , ولا يجوز للرجل أن يتحدث مع امرأة
متزوجة إلا بإذن زوجها , ففي " صحيح الجامع الصغير وزيادته " (6813) أن النبي صلى
الله عليه وسلم ( نهى أن تُكلم النساء إلا بإذن أزواجهن ) .
ويتأكد هذا المنع في حق الزوجة : إذا نهاها زوجها عن الحديث مع الرجال ؛ فإن خالفته
حينئذ فإنها تكون قد خالفت أمر الله تعالى ، وضيعت حق زوجها , وتسمى ـ حينئذ ـ
ناشزا.
وأما قول هذا الرجل لزوجته : (إن تحدثت مع هذا الرجل مرة أخرى فسيكون هذا نهاية
علاقتنا) ، فهذا قد اجتمع فيه أمران :
1. أنه من كنايات الطلاق , وكنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا مع النية ، كما
بيناه في الفتوى رقم : (129652) .
2. أنه من الطلاق المعلق , والطلاق المعلق قد اختلف فيه أهل العلم فأكثرهم يوقعه
عند حصول المعلق عليه , وبعضهم لا يوقعه عند حصول المعلق عليه إلا إذا كان الزوج قد
قصد إيقاع الطلاق ، أما إذا كان قصده التهديد أو الحث أو المنع فلا يقع الطلاق
حينئذ ، ويكون الواجب عند الحنث كفارة يمين , وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (131710)
، والفتوى رقم : (181897).
وبناء على ما تقدم فلا يخلو حال هذا الزوج من أحوال:
الأول: أن تكون نيته من قوله (نهاية علاقتنا) : الطلاق , ويكون من نيته أيضا إيقاع
الطلاق على زوجته عند تحدثها مع هذا الرجل ، فإن الطلاق حينئذ واقع لا محالة ,
الثاني: أن تكون نيته من هذا القول الطلاق , ولكنه لم يكن يقصد إيقاعه فعلا , بل
يقصد مجرد التهديد به حتى تنزجر زوجته عن محادثة الأجنبي ، فلا يقع الطلاق حينئذ –
بناء على الراجح المفتى به في هذا الموقع - ويكون الواجب عليه مجرد كفارة يمين
لحصول الحنث بكلامها للأجنبي .
الثالث: أن يكون غير قاصد بهذا القول الطلاق أصلا ؛ فلا يقع حينئذ الطلاق ، وتلزمه
كفارة يمين.
يبقى بعد ذلك النظر في أمر السحر , فإن كانت هذه الزوجة مسحورة فعلا , وكان السحر
قد بلغ بها مبلغ أن سلبها إرادتها واختيارها ، بحيث تتحدث مع هذا الرجل رغما عنها ،
بسبب تأثير السحر , فإن الطلاق حينئذ لا يقع على الراجح ولو كان الزوج يقصد إيقاعه
, لأن المسحور الذي بلغ به السحر هذا المبلغ غير مكلف أصلا , يقول الشيخ الصادق
الغرياني المفتي العام لدولة ليبيا " جعل الله العقل والإرادة أساس التكليف ، فإذا
ما فُقِدا فُقِد التكليف ، واعتبر الشخص غير مسؤول عن أقواله وأفعاله ، قال صلى
الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى
يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) ، وفي سنن ابن ماجه: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه.
وعلى ذلك فإذا بلغت درجة السحر أن جعلت الإنسان مسلوب الإرادة ، فإن الله سبحانه لا
يحاسبه على ما بدر منه حينئذ من أقوال وأفعال ، بخلاف المسحور الذي لم تصل حالته
إلى درجة سلب الإرادة ، وبخلاف العاقل المختار الذي لم يفقد الإدراك ، فهذان
محاسبان على أقوالهما وأفعالهما" انتهى من موقع دار الإفتاء الليبية .
وقد نص كثير من أهل العلم
على أن من فعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها فإنه لا يحنث , قال ابن قدامة : " وإن
فعل المحلوف عليه ناسيا، أو مكرها، لم يحنث، لقول الله تعالى: ( وليس عليكم جناح
فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) [الأحزاب: 5] ، وقول النبي - صلى الله عليه
وسلم -: إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجه
والدارقطني ؛ ولأنه غير قاصد للمخالفة ، فلم يحنث، كالنائم" .
انتهى من الكافي في فقه الإمام أحمد (4 / 193).
فإذا كان الحنث لا يقع بفعل المكره ؛ لعدم كمال اختياره وإرادته , فمن باب أولى لا
يقع بفعل المسحور الذي أوصله السحر إلى فقد الإرادة والاختيار أصلا.
وأما علاج السحر فقد سبق الحديث عنه في الفتوى رقم : (12918)
.
والله أعلم.