كان على علاقة محرمة بامرأة ثم تاب إلى الله وتعتب عليه المرأة أنه لا يأتي لزيارتها

02-12-2014

السؤال 211237


لماذا لا يجوز للرجل أن يدخل بيت المرأة إذا لم يكن زوجاً لها أو أباً أو أخاً ؟ فأنا أعرف أخاً متديناً يريد أن يزور ابنته البالغة من العمر 16 سنة ، والتي تمكث مع أمّها التي اعتاد أن يتخذها حميمة له في الماضي ، والتي ما زالت عازبة حتى الآن ، إنه يشعر بالحيرة ، وأمّ البنت تشعر بالغضب منه ؛ لأنه لم يعد يأتي للجلوس مع ابنته ، وتناول الغداء أو العشاء معهم ، أو حتى فنجان شاي ، فما رأيكم ؟

الجواب

الحمد لله.


حرم الإسلام على الرجل الدخول على المرأة الأجنبية وهي التي ليست بزوجة له ولا هي من محارمه , كأمه وابنته وعمته وخالته ... إلخ .
وهذا من تشريعات الإسلام الحكيمة التي شرعها حفظا للدين والخلق والنسب والعرض , فقد أخرج البخاري (5232) ، ومسلم (2172) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ ) ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ ؟ ، قَالَ: (الحَمْوُ المَوْتُ) " .
و(الحمو) هم أقارب الزوج كأخيه وابن أخيه وابن عمه الذين ليسوا محارم للزوجة ، أما أبو الزوج فهو محرم لزوجة ابنه ويجوز له الدخول عليها ومصافحتها .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (الحَمْوُ المَوْتُ) . أي : أن الخوف منه أكثر من غيره ، وانظر جواب السؤال رقم : (12837) .
وهذا الدخول محرم إذا كان فيه خلوة بالمرأة ، وأما مع عدم الخلوة ومع الأمن من الفتنة فلا حرج في ذلك ، جاء في " إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " (2 / 181): "وَقَوْلُهُ " إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ ، وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِنَّ ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ مُقْتَضِيًا لِلْخَلْوَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَلَا يُمْتَنَعُ " انتهى.
وقد حكى لنا القرآن قصة تبين عاقبة الخلوة بالمرأة حتى وإن كان الرجل في أعلى درجات التقوى والصلاح , قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام : ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ . وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ . وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ )يوسف 23 – 25 ، فهذا نبي الله يوسف عليه السلام لما حصلت له الخلوة مع امرأة العزيز رغما عنه لأنه كان عبدا مملوكا لها لا يملك من أمر نفسه شيئا , أغواها الشيطان ووسوس لها حتى تهيأت له وغلقت الأبواب , وقالت : هلم إلي لتنال مني ما ينال الرجل من زوجه , وفي هذا الموقف العصيب همَّ يوسف عليه السلام بها مجرد همٍّ جرى على خاطره , ولكنه تركه لله سبحانه بعدما رأى برهان ربه.

قال ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (5 / 261): " وَيُوسُفُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ ، وَلِذَلِكَ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ لِإِخْلَاصِهِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَامَ الْمُقْتَضِي لِلذَّنْبِ وَهُوَ الْهَمُّ، وَعَارَضَهُ الْإِخْلَاصُ الْمُوجِبُ لِانْصِرَافِ الْقَلْبِ عَنْ الذَّنْبِ لِلَّهِ ، فَيُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إلَّا حَسَنَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا، وَقَالَ تَعَالَى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف: 201) . وَأَمَّا مَا يُنْقَلُ مِنْ أَنَّهُ حَلَّ سَرَاوِيلَهُ ، وَجَلَسَ مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ ، وَأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى يَدِهِ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، فَكُلُّهُ مِمَّا لَمْ يُخْبِر اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَذِبًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْحًا فِيهِمْ ، وَكُلُّ مَنْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَنْهُمْ نَقَلَهُ ، لَمْ يَنْقُلْ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرْفًا وَاحِدًا " انتهى .
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (1 / 396): " رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر. وزادت المصيبة، بأن غَلَّقَتِ الأبْوَابَ وصار المحل خاليا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن ، أو العذاب الأليم ، فصبر عن معصية الله ، مع وجود الداعي القوي فيه ، لأنه قد هم فيها هما تركه لله ، وقدَّم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء ، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان ، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف ، عن هذه المعصية الكبيرة ، وقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح ، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه ، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي ، فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة " انتهى .
مع التنبيه على أن بعض المحققين قد ذكروا أن يوسف عليه السلام لم يكن في هذه الحادثة قد أوحي إليه بالنبوة .
قال ابن عطية : " والذي أقول في هذه الآية : إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح ولا تظاهرت به رواية ، وإذا كان ذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته ، وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو الخاطر ، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل سراويله ونحو ذلك ، لأن العصمة مع النبوة " .
انتهى من " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " (3 / 234) .
وما قصَّ الله سبحانه علينا هذه القصة – وكل قصة في القرآن الكريم - إلا للعبرة , ومن أعظم العبرة أن يتفطن الإنسان لخطورة الخلوة بالمرأة , ولا يتهاون بها لظن التقوى أو الصلاح فإنه بذلك يعطي الشيطان سلطانا عليه ليغويه ويوقعه في الزلل , قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ : (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) . رواه أحمد والترمذي في سننه (2091) ، وهو في " صحيح الجامع " (2546 ) .
وعلى ذلك فإن ما يفعله هذا الرجل من الامتناع عن زيارة هذه المرأة وابنتها أمر صحيح موافق لحدود الله سبحانه , وهو من التقوى التي أمر الله سبحانه بها , نسأل الله أن يثيبه عليه وأن يثبته على طريق العفاف والصلاح , إذ كيف يذهب إلى امرأة كانت في السابق عشيقة له ينتهكان معا حدود الله ويقعان في معاصيه , والشيطان قد ساءه توبة هذا الرجل واغتاظ لذلك , فهو يدعو المرأة لتجره مرة أخرى عن طريق التذرع بزيارة ابنته والسؤال عنها .
مع التنبيه على أن وجود ابنته أثناء الزيارة وإن كان ينفي الخلوة المحرمة إلا أنه لا يغلق باب الفتنة والحرام , لأن هذه الأم تجمعها علاقة سابقة محرمة بهذا الرجل فمن السهل أن يوقعهما الشيطان في مهاوي الرذيلة تارة أخرى .
نسأل الله تعالى أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم .

الأخلاق المذمومة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب