الحمد لله.
وقد تقدم في إجابة السؤال
رقم : (153274) التحذير من الأذكار
والأدعية المخترعة ، ونقلنا أقوال العلماء في ذلك ، ومن ذلك قول القرطبي رحمه الله
:
" فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه ،
ولا يقول أختار كذا ؛ فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون "
انتهى من " الجامع لأحكام القرآن" (4 /231) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (98780) .
وهذا الاستغفار المخترع المذكور في السؤال ، مع أنه غير مأثور عن أحد من السلف ، فضلا عن أن يكون منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم : ففيه بعض التجاوزات ، كقوله : " نستغفر الله استغفاراً يزيد في كل طرفة عين وتحريك نفس مائة ألف ضعف " فهذه مبالغة سمجة أدى إليها الاختراع ومحبة السجع والتكلف .
وأيضا : فلو قال القائل : "
أستغفر الله مائة مرة " لم يكن قد استغفر إلا مرة واحدة ، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله :
" إذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ: سَبِّحْ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ سَبِّحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ
اللَّهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْعَدَدَ. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُجْمِلَ ذَلِكَ
فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ ، لَمْ يَكُنْ قَدْ
سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (33/ 11-12) .
ومن التجاوزات قوله : " يدوم
مع دوام الله ، ويبقى مع بقاء الله ... " فإن هذا من الاعتداء في الدعاء ، فإن
الاستغفار من الذنوب لا يدوم مع دوام الله ، ولا يبقى مع بقاء الله ، بل الاستغفار
عمل من عمل صاحبه ، متى ما انقطع عنه ، انقطع حكم التوبة والاستغفار عنه ، ومتى مات
، انقطع ، كما ينقطع سائر عمله ، إلا ما ورد النص بتخصيصه .
وأكثر ما يوقع الناس في ذلك محبة السجع ، وتكلفه في الذكر والدعاء .
وقد روى البخاري (6337) عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَ له : "
انْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا
ذَلِكَ " - يَعْنِي لاَ يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ " .
قال القرطبي رحمه الله - وهو يتكلم عن أنواع الاعتداء في الدعاء- :
" وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ بِمَا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ،
فَيَتَخَيَّرُ أَلْفَاظًا مُفَقَّرَةً ، وَكَلِمَاتٍ مُسَجَّعَةً ، قَدْ وَجَدَهَا
فِي كَرَارِيسَ لَا أَصْلَ لَهَا ، وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهَا، فَيَجْعَلُهَا
شِعَارَهُ ، وَيَتْرُكُ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ وَكُلُّ
هَذَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ " .
انتهى من " تفسير القرطبي " (7/ 226) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (41017) .
والله أعلم .