أَيُّمَا أَوْلَى مُعَالَجَةُ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ قَلْبِك مِثْلُ : الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَرُؤْيَةِ الأَعْمَالِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ مِنْ دَرَنِهِ وَخُبْثِهِ ؟ أَوْ الاشْتِغَالُ بِالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ : مِنْ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ : مَنْ النَّوَافِلِ وَالْمَنْذُورَاتِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الأُمُورِ فِي قَلْبِهِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
الحمد لله.
مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ : وَأَنَّ لِلأَوْجَبِ فَضْلا وَزِيَادَةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم : مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ وَالأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لا تَكُونُ صَالِحَةً مَقْبُولَةً إلا بِتَوَسُّطِ عَمَلِ الْقَلْبِ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَلِكٌ وَالأَعْضَاءُ جُنُودُهُ ، فَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْقَلْبِ لا بُدَّ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي عَمَلِ الْجَسَدِ وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الأَوْجَبُ [ سَوَاءٌ ] سُمِّيَ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَدْ يَكُونُ مَا يُسَمَّى بَاطِنًا أَوَجَبَ مِثْلُ تَرْكِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ فَإِنَّهُ أَوَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا سُمِّيَ ظَاهِرًا أَفْضَلَ : مِثْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ بَعْضِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ جِنْسِ الْغِبْطَةِ وَنَحْوِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ يُعِينُ الآخَرَ وَالصَّلاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتُورِثُ الْخُشُوعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الآثَارِ الْعَظِيمَةِ : هِيَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ وَالصَّدَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ." انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( مجموع الفتاوى 6/381)
فلا فصل بين صلاح الباطن وإصلاح الظاهر .
والعبادات الظاهرة التي يمارسها الإنسان بجوارحه فإنها – إذا أراد بها وجه الله – تؤثر إيجاباً في باطنه ولا شك .
ومن أمثلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر " رواه النسائي (2386) وصححه الألباني في صحيح النسائي (2249)
ووحر الصدر : غيظة وحقده وحسده .
ومن العلاجات المهمة لأمراض القلب التدبر والتفكر في نصوص الوعيد على من ترك هذه الأمراض ترتع في قلبه كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر " رواه مسلم (91) .
وحديث قول النار : " أُوثرت بالمتكبرين " رواه البخاري (4850) ومسلم (2846)
وحديث : " يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال " رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2025) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " رواه الترمذي (2510) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2038)
فمن تأمل بعين البصيرة مثل هذا الوعيد على هذه الأمراض القلبية فإنه ولا شك سيجاهد نفسه في تطهير قلبه منها ، ويستعين على ذلك بأعمال الجوارح ويدعو ربه أن ينقي قلبه من الغلِّ والحسد والحقد وغيرها كما قال تعالى عن دعاء المؤمنين : ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .